صناعة تكسير السفن ..!

مشاهدات





ضرغام الدباغ


لعل قرائي لاحظوا التنويع في طبيعة الموضوعات التي أتطرق إليها لكي لا يتسرب الملل إلى قرائي من الحديث في السياسة فأتحدث لهم في الأدب والفن والمسرح واليوم قرأت تقارير مذهلة عن أعمال تدر 30 مليار دولار سنوياً تختص بها الهند وباكستان وبنغلادش والباكستان بدرجة أقل بدرجة (بسبب خفض تكاليف الأيدي العاملة) وتقلصت هذه الصناعة في الدول الأخرى مثل تايوان . كوريا . أسبانيا . وهذا الأعمال بدأوا يطلقون عليها " صناعة تكسير السفن " (Ship breaking).

كنت أتحادث مع سياسي عراقي أن على المخططين أن يرفدوا الاقتصاديات الوطنية بمصادر مختلفة فليس المصادر الطبيعية (كالنفط والغاز) وحدها أو الصناعات الثقيلة يمكن أن تشيد اقتصاد متين بل وبالغ المتانة فضربت له مثلاً أن الدانمرك لديها دخل بقيمة 12 مليار دولار (2005) من مصدر لا يخطر على البال .. من صناعة التصاميم (Design) شركات تصاميم تردها طلبات بتصميم سلعة معينة . هاتف أو أثاث أو سيارات ..الخ وتقوم بتخطيط التصميم مقابل موارد ممتازة وكما تعتبر المنتجات الغذائية من مشتقات الحليب خاصة مورداً مهماً من مواردها .

كانت صناعة السفن الحديثة من اختصاص الدول الصناعية مع العلم أن حتى بلدان نامية ومتخلفة لديها صناعات سفن ومراكب خشبية تقليدية ولكنها ظلت تهاب دخول عالم الصناعة الثقيلة . واليوم يتغير الوضع تدريجياً ببساطة شديدة أن عبر العالم هناك صناعات لبناء السفن انتقلت من الدول الصناعية إلى حتى دولاً أقل مقدرة من الناحيتين : التمويل أو لحيازة القدرات التكنولوجية وصارت حتى بلدان من العالم الثالث تصنع السفن ولكن ظل صناعة محركات السفن الضخمة شبه احتكار هولندي ولكن هذه لا تعد مشكلة فعالم اليوم صار حقا وفعلاً سوقا واحدة .

المدهش في الأمر أن البناء بناء السفن ولا سيما تلك الضخمة ذات الاستخدامات المعقدة : كنقل الطاقة أو حاملات الطائرات أو ناقلات الحاويات العملاقة وربما غيرها أيضاً تعد صناعتها قضية مهمة وقد يستغرب القارئ أن نخبره أن دولاً تطلب سفناً جديدة عليها أن تتقدم بالطلب وتنتظر لبضعة سنوات حتى يحين وقت استلامها بحسب قائمة انتظار الزائن .

والآن دعونا من عالم بناء السفن التي قد يكون الرأس المال الكبير إحدى شروطها ولكن دول ذات مقدرة مالية ضعيفة لا يمنع أن تدخل عالم صناعة " تكسير السفن " (Ship breaking) وهو ما اختصت به الهند وباكستان وبنغلادش وربما غيرها من الدول .

حين يبلغ عمر استخدام السفن حداً معيناً (عمرها الافتراضي 25 ــ 30 عاماً) تبدأ بعدها بالتآكل ويصيبها ما يسمى " تعب المعدن" ويصبح استخدامها غير تجاري ينطوي على الخسارة أكثر من الربح بسبب قدمها وحاجتها المتواصلة إلى الصيانة وبسبب ارتفاع تكاليف الصيانة والعمرة يصبح استخدام هذه القطع ينطوي على خسائر لذلك يعمد مالكوها إلى التخلص منها وإحدى الأساليب هي إغراقها في البحار والمحيطات وربما البعض يبيعها بمبالغ زهيدة لتصبح فندقاً يرسو أو مطعماً أو ما شابه . ولكن قامت صناعة في الهند والباكستان وبنغلادش والصين تعتمد على شراء السفن (سفن تجارية أو حربية) بمبالغ زهيدة وتفكيكها وتكسيرها وبيعها كخامات حديد أو نفايات أو كقطع غيار وتدر هذه الصناعة موارد طائلة لا تقل عن 30 مليار دولار ...!

في مبيع الحديد المفكك وصهره ما يغني عن شراء خامات الحديد وأيضاً التقليل من استهلاك الطاقة في صناعة الحديد والصلب كما يمكن إعادة استخدام بعض المعدات الموجودة على ظهر السفن . ففي عام 2012 تم تفكيك 1250 سفينة وفي عام 2013 بلغ إجمالي الحديد المستخرج من هذه صناعة تكسير السفن حوالي 30 مليون طن من الحديد 92% منها في آسيا . ويعمل في صناعة تكسير السفن نحو 3 مليون عامل وفي بنغلادش يمثل الحديد المعاد تدويره 20% من احتياجات البلاد وفي الهند 10%. ومن بين الـ 206 سفينة التي تفكيكها في الربع الأول من عام 2018  تم بيع 152 سفينة إلى شواطئ جنوب آسيا .

وتباع السفن بأسعار قد تبلغ 500 دولار لطن الحديد الواحد في مرافئ التفكيك (يطلق عليها ساحات التكسير أو التفكيك) في موانئ جنوب آسيا : الهند، الباكستان، بنغلادش، فيما لا تدفع موانئ تركية أكثر من 210 ــ 280 دولار في موانئ الصين وتركيا أو كوريا الجنوبية في صناعة رائجة تتزايد فيها أعداد السفن المستهلكة المحالة للتفكيك. وعموماً تنفذ دول الهند وباكستان وبنجلاديش 80 % من الأعمال التجارية لتكسير السفن في العالم ·

بيع السفن يتم بواسطة بيع علني يفوز بها صاحب أفضل عرض والسعر الأولي هو 400 دولار للطن وتلعب القوانين البيئية دوراً في الأسعار وبدأ دول التفكيك تنتبه لمخاطر بيئية والتفكيك إذ تكون هناك مواد في السفن مضرة بالبيئة (كألأسبستوس والفينيل المتعدد الكلور) ويتم نقل السفينة إلى موقع التفكيك على السواحل بأستخدام أوقات المد والجزر لترتفع السفينة إلى اليابسة ويتم إنزال المرساة وإيقاف المحرك . ثم تبدأ عملية تفكيك السفينة .

يتطلب الأمر نحو 50 عاملاً يعملون لمدة 3 أشهر لتحطيم سفينة وزنها 400,000 طن ثم يجري سحب الوقود ثم تجفيف السفينة بصفة نهائية ثم المباشرة بنزع مواد يمكن استخدامها : الأسلاك ، الأثاث ، والآلات ، إلى الأسواق المحلية وتجار متخصصون يتولون تجارة الأبواب والطاولات والأرائك ومعدات الطبخ والحمامات بالإضافة إلى أجهزة تكييف الهواء ولوحات الفولاذ التي تعتبر السلع الأغلى قيمة في هذه البنود المستخرجة من السفن· أما المواد الغير مرغوب بها تعامل كنفايات .

ويعتبر حوالي 80 % من الحديد والصلب الذي تتألف منه السفن من الفولاذ القابل للاستخدام كما أنه أرخص ثمناً بكثير من الحديد الصلب الرئيسي ويمكن استخدام معظمة في مجال البناء والتشييد· وتختبر المناطق التي يحتمل أن تكون ملوثة كيمياويا أو بالغازات وفحصها بواسطة الحيوانات : بوضع طيور ومراقبة سلامتها.



تعليقات

أحدث أقدم