عبد الرزاق الربيعي .. شكل البناء الفني لقصيدته بإكتمال البنية التشكيلة

مشاهدات



-أسئلة عدة ضمنها أبياته الجميلة ، أضفت على قصائده جمالا منظورا

-استخدم دلالات عدة لإيصال محتوى قصائده، حتى أخذ عليه اسهابه في الرثا


سعد الدغمان


احتوى شعر عبد الرزاق الربيعي على عناصر المكون الأدبي كاملا  دون أن يترك مساحة تؤشر نقصا في تكوين قصائده كجنس أدبي وفني يحمل مواصفات الكمال. أتقن الربيعي تركيب الفكرة في طرحه الشعري، لتأتي أبياته على شكل صورا فذة  مكتملة المعنى هادفة لاتقبل التأويل. قصائد الربيعي أحتوت أسئلة عدة  حملت أفقا واسعا لمعاني الحياة، الموت، الحب ، الوجد ، الجمال أينما حل ، وبما تجسد، حملت أمالا عريضة وألام شتى. 

سعى الربيعي في كثير من نصوصه لتضمين أبياته " المبهم" ليضفي عنصر التشويق ربما على هيكل القصيدة، ويدفع القارئ للبحث عن أجوبة ربما تكون كامنة في ثنايا نصوصه، أو ربما سعى لأن تكون البنية الشكلية عامة مبنية على عنصر واحد من عناصر البناء يكون مفتاحا لما بعده.

طرح عبد الرزاق أسئلة عدة ضمنها أبياته الجميلة ، أضفت على قصائده جمالا منظورا ، بدافع  شد القارئ وأحتوائه عبر استخدام  غرائب الأفكار وتجسيدها عبر كلماته لتشكل الصيغة النهائية لقالب القصيدة ، أبدع فيها الربيعي حتى كرس ذلك الإبداع عبر تساؤلات عدة تضمنتها قصائده.

شقوق الحكايات

الصغيرةُ تندسّ

بين الظلام الكثيفِ

تندسّ ما بيننا في السرير

تندّس في الحلم

أخادعها بالتناوم

لكنّها بين شقوق الحكايات تندسّ

أندسّ في حلمها البضّ

بين تفاصيل ألعابها

إلى أن أغيب


عمد عبد الرزاق الربيعي إلى الوجد وتكريس الشعور بفقدان من نحب هاجسا في ثنايا أبياته، واستخدم دلالات عدة لإيصال محتوى قصائده، حتى أخذ عليه اسهابه في الرثاء الذي ظن البعض أن ذلك النهج سيلازمه ، بل سيطب نتاجه الشعري لزمن طويل. لكن الربيعي سعى لتشكيل البناء الفني للقصيدة التي يكتبها في كل أوجه الشعر وفنونه لإكتمال البنية التشكيلة البصرية والفنية لشكل القصيدة بصورتها العامة ، وليظهر ايقاعها الداخلي بصورة متوازنة مع البنية المضمرة للقصيدة، والتي تتطلب تناغما وتوازيا مكتمل الأجزاء لتحديد نمط القصيدة .


ذات يومٍ أفقتُ

وجدتُ الوسائد خاليةً

سوى من سعالٍ قديمٍ

جنوب الصباحِ

بحثتُ …

سرير الألم

كانت تئنُّ

وكانت دموعُ الصغيرةِ

تنسابُ

فوق سريرٍ بعيدٍ

فتندسُّ

من وحشةٍ

بين حضنِ الغياب.

في شعر الربيعي أو غيره من الشعراء ، هناك عناصر تؤثر في النص ، وعناصر تطبع البنية بطابعها، إلا ان الثابت تقريبا أن معظم البنى تحمل قيمتين من قيم النص الأدبي تتمثلان بالقيمة الإبداعية ، والقيمة الدلالية، وفي هذه وتلك أبدع الربيعي في تضمين قصائده القيمة الإبداعية نصا وروحا وتوصيفا ، فيما أجاد في تكريس الدلالة على المغزى عبر الإبهام الذي شكل طابعا بصم به نتاجه الشعري، فأبدع في تكريس القيمة  الدلالية ثنايا أبياته ونصوصه الشعرية القيمة.


لقد عرف القراء  الشاعر عبد الرزاق الربيعي بانه مبدع في استمالاته الشعرية متقنا في استخداماته اللغوية ، متفردا في خصوصيته الشعرية المثالية والتي يجيد عبرها تشكيله لصوره الشعرية التي ترسم المعنى الضمني لما يريد.

عد أكثر من خريفٍ

اشتعلَ رأسُ أبي شيبا

وغابتْ أمّي…

الأمطار جرفتْ سقفَ بيتنا

وتقطّعتْ حبالُ

أرجوحةِ الوطن


النص الشعري مثله مثل كل النصوص السردية الأدبية والفنية الأخرى ، لابد وإنها تحتاج لإكتمال المعنى وشد القارئ وتحفيزه لتخيل الحدث والتواصل مع النص ،لابد من تضمينه عناصر أكتمال العمل أو النص ، ومنها الزمان والمكان، ومنها فقد ذهب الربيعي لإتقان صنعته الشعرية عبر تضمين نصوصه الشعرية تلك العناصر مكتملة وبإبداع متقن، ما يفسر ذلك التواصل مع القارئ في معظم نصوصه التي كتبها بحرفية تامة. 

حين سقطتُ

من أعلى سلّم الماضي

سالَ دمٌ غزيرٌ

حفرتْه بقلبي

نصالُ أرجوحةِ

جرحٍ قديمٍ

ما زالَ ينزف.


يعمد الربيعي دائما لطرح أسئلة عدة عبر نصوصه لا إجابات لها، ما يكرس الحيرة دائما لدى القارئ، وهذه من المآخذ على الربيعي ، فالقراء اليوم لايريدون أن يتركوا في غياهب الحيرة التي تفرضها عليهم نصوصا شعرية اعتمدت  (المبهم) أساسا لتكوينها. رغم إنها دقة في الحرفية ، وعنصرا أساسيا بنيت عليه القصيدة، لانعيبها على الربيعي بقدر ما نؤشرها.

ماذا لو ضلّ المشرط

في كف الجرّاح الدرب

ومضى بدلا من أن يشفي

الجرح الناغر

في صدره

أدمى القلب؟

ماذا لو حكموا بالإعدام

على طير الحب

بعيد الحب

ماذا لو يعبر أحدهم

ظلمات محيطات الزمن الصعب

فإذا به مربوط

من كفيه المثقوبين على الحائط

زورا وبلا ذنب؟


عبد الرزاق الربيعي ولد ببغداد((1961  شاعر وكاتب مسرحي وصحفي عراقي، حاصل على إجازة  اللغة العربية من جامعة بغداد،عمل في المجال الثقافي والصحفي بالعراق  منها  دار ثقافة الأطفال، ومجلة أسفار وجريدة الجمهورية. يقيم في سلطنة عمان منذ عام 1998 ويحمل الجنسية العمانيةنذكر من نتاجه  الشعري على سبيل المثال : ديوان (إلحاقاً بالموت السابق)   1986 ، (وطن جميل للأطفال )1987 ، (ونجمة الليالي) 1988  ، (وحدادًا على ما تبقى) 1992 وغيرها.

تعليقات

أحدث أقدم