اعترافات القاتل الاقتصادي ودوره في تدمير الاقتصاد العراقي بعد 2003

مشاهدات

 



ا. م . د : علي محمد الجسام

عضو مؤسس في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
نائب رئيس لجنة الادارة والتخطيط الاستراتيجي والاحصاء والمحاسبة

لم يطرق الى مسامع المواطن العراقي قبل الاحتلال الامريكي مصطلح الشركات المتعددة الجنسيات ونشاطاتها على مستوى العالم ولم يكن فهم لطبيعة عملياتها الانتاجية والتسويقية والمالية العنكبوتية المتشعبة ولاسباب تتعلق بطبيعة النظام الاقتصادي المستقل وهويته المرتكزة على القدرات الذاتية ولمختلف القطاعات الصناعية والزراعية والنفطية والمالية طيلة عقود من الزمن محققًا خططه التنموية التي ساهمت في بناء قاعدة صناعية وزراعية ونفطية وتعليمية يشار لها بالبنان بين دول الشرق الاوسط ولهذه الاسباب تم استهدافه من قبل قوى الاستكبار العالمي بشتى الوسائل لاخراج العراق من مسار الدول المتقدمة اقتصاديا والاستحواذ على ثرواته وبذرائع مختلفة وطيلة عقود من الزمن كان بعيدا عن مظلة العولمة والتي باتت تخيم على معظم إقتصاديات العالم في الوقت الذي كان النظام الاقتصادي العالمي المعاصر يعمل على تعميق وتكريس ظاهرة عالمية الاقتصاد وابراز دور اكبر للمؤسسات الاقتصادية الدولية وظهور ملامح هيكلية جديدة والتي كانت من ابرزها ( الشركات المتعددة الجنسيات) وتمثل اهم مظهر من مظاهر العولمة او النظام الاقتصادي المعاصر( Globlization) والتي بدأت تتضح بشكل ملحوظ في العقد الاول من القرن الماضي تزامنًا مع انبثاق ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والشبكة العنكبوتية والاقمار الاصطناعية واتساع نطاق اعمالها وانتشارها بشكل كبير وملفت للانتباه واتضح دورها وتاثيرها على اقتصاديات دول العالم المتقدم والعالم الثالث لما تتمتع به من ضخامة حجمها من حيث راسمالها وتنوع استثماراتها وحجم المبيعات والايرادات التي تحققها وانتشارها الجغرافي الممتد في كل ارجاء العالم فضلا عن حجم انفاقها على مراكز البحث والتطوير وهياكلها التنظيمية المتعددة وكفاءة ادارتها فضلا عن القدرات التنافسية التي تتمتع بها هذه الشركات والذي زاد من قدراتها على تحويل الانتاج والاستثمارعلى مستوى السوق العالمي واقامة التحالفات الاستراتيجية واعتمادها التخطيط الاستراتيجي والادارة الاستراتيجية واحتواء الكفاءات الادارية وقدراتها المتفوقة على تعبئة المدخرات العالمية مستخدمة قدراتها العلمية المتقدمة في مجال التكنولوجيا وتقنيات التصنيع والامكانات المالية والانتاجية وتنويع مصادر الارباح وسعيها المستمر لتحويل العالم الى سوق موحد لبسط نفوذها واحكام سيطرتها على جميع قطاعات الاعمال وتقويض نفوذ وسيادة حكومات دول العالم الثالث من خلال تعشيق اقتصاد تلك الدول مع اقتصاد الدول العظمى .

وقد اصبحت ظاهرة الشركات المتعددة الجنسيات محط اهتمام العديد من الباحثين والكتاب وبشكل ملحوظ بعد الاحتلال الامريكي للعراق ابان عام 2003 وتحديدا بعد دخول الشركات النفطية العملاقة للسوق العراقي واتفاقياتها المشبوهة والمجحفة التي ابرمتها مع حكومات الاحتلال والتي اطلق عليها ( جولة التراخيص) وبنودها التدميرية التي اضرت بالاقتصاد العراقي وبشروط تضمن استمرار تدفق النفوط الى السوق بغض النظر عن اليات السوق وتذبذب اسعاره طيلة سبعة عشر عامًا لاسيما وان الاقتصاد العراقي اقتصاد ريعي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط واندفاع تلك الشركات باستغلال هذه الثروات بطريقة عشوائية مقلقة باتت تشكل تهديدا لمستقبل الاجيال القادمة وحرمانه من فرصة التمتع بحياة كريمة يستحقها وهو يمتلك ثاني اكبر احتياطي نفطي على مستوى العالم .

ويبدو ان الشركات المتعددة الجنسيات عملت طيلة السنوات التي سبقت الاحتلال في التخطيط والاعداد لهذا الهدف من خلال الضغط على دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة الامريكية لغزو العراق وتنفيذ خططها الشاملة لهدم وتخريب مؤسسات الدولة وبناه التحتية وايقاف عجلة التنمية الاقتصادية لفسح المجال لهذه الشركات بان تعمل وفق رؤيتها التدميرية وقد بادرت الادارة الأمريكية بتخصيص المبالغ وصرفها مسبقا لهذه الشركات بعد الاحتلال مباشرةً ومن دون اشراك الجانب العراقي في ماهية هذه المشاريع واولوية تنفيذها او حتى مناقشة تكاليف التنفيذ وآلية الصرف ناهيك عن عدم اشراك الجهات الفنية المتخصصة في الدوائر والمؤسسات المعنية وما سهل عمل هذه الشركات ومهد الطريق لها هو حزمة القرارات التي اصدرتها سلطة الاحتلال من خلال قانون اجتثاث البعث والذي ازاح اغلب الكفاءات العلمية والفنية والمهنية من دوائر ووزارات الدولة والتي كان من الممكن ان يكون لها دورا فاعلا في دراسة وتقييم جدوى هذه المشاريع وتحديد اولوية تنفيذها وفقا للخطط التنموية وعلى الرغم من كل التسهيلات المقدمة للشركات المتعددة الجنسيات وحجم المبالغ المخصصة لها من قبل قوات الاحتلال والتي تقدر بمائة مليار دولار الا انها واجهت الكثير من التحديات والصعوبات في عملها لكون ان اغلب هذه المشاريع المخطط لها لم يكن هدفها اعادة البناء والاعمار والتنمية بل هدفها الرئيسي هو تحقيق ارباح خيالية تفوق احلام الشركات والتي يتراس ادارتها مسؤولون في البيت الابيض والبنتاغون .

وقد اشار( جون بيركنز) كبير الاقتصاديين في الوكالة الاميركية للتنمية الدولية(Usaid)في كتابه اعترافات قاتل اقتصادي الى الاسلوب الجديد للولايات المتحدة الامريكية في السيطرة على دول العالم الثالث والى وظيفته الأساسية داخل هذه الوكالة بإنه قاتل اقتصادي ( ECONOMIC HiT MAN) مهمته خداع دول العالم من خلال ابتزاز ترليونات الدولارات وتحويلها من البنك الدولي ومن منظمات ( مساعدات) اجنبية الى خزائن الشركات المتعددة الجنسيات والى جيوب قلة من الأسر الغنية التي تتحكم بموارد الأرض الطبيعية وسبيلهم الى ذلك التقارير المالية المحتالة والدراسات الاقتصادية المغلوطة والانتخابات المزورة والرشاوي والابتزاز السياسي والغواية الجنسية وجرائم القتل والى غيرها من الوسائل والاعمال القذرة غير المشروعة واشار ايضا الى محاولات الوكالة الفاشلة مطلع الثمانينات من القرن الماضي لارغام النظام الوطني العراقي في الانصياع لمطالب هذه الشركات في الحصول على اي امتياز يسمح لها الدخول الى السوق العراقي لتنفيذ مشاريع هندسية والانقضاض على اقتصاده من خلال فرض الاقتراض الخارجي على الدولة لتمويل بناء بعض المشاريع البنى التحتية وارهاقه بالمديونية المثقلة والتي يصعب على الدولة الالتزام بمواعيد السداد بالاعتماد على اذرعها الدولية وهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وعلى الرغم من كل المحاولات التي باءت بالفشل ماكان لها الا اللجوء الى الخيار الاخير وهو الغزو الامريكي للعراق وبحجج واهية خارج الشرعية الدولية والاجماع الدولي وفي خضم التحديات الاقليمية والدولية المفروضة على العراق ومحاولات دمج الاقتصاد العراقي مع الاقتصاد العالمي اصبح لزاما على المختصين من النخب والكفاءات الاقتصادية اعداد الدراسات العلمية الرصينة التي من شأنها صياغة اليات وتشريعات تنظم عمل هذه الشركات وبالتعاون مع المنظمات الدولية وهيئة الامم المتحدة وإلزام هذه الشركات بالتشريعات المقررة بالحفاظ على سيادة الدولة وبما ينسجم مع متطلبات الوضع الاقتصادي والمعاشي والخدمي والمالي المتردي الراهن ولطالما اصبح وجودها ملزما ومفروضا لابد من العمل على تحقيق الاستفادة القصوى من خبرة هذه الشركات وماتكلمها من تقنيات علمية وتكنولوجية متقدمة وتحقيق شراكة فاعلة مع الشركات العراقية وتجميع امكاناتها في تحقيق خطط التنمية الاقتصادية مع المحافظة على الهوية الوطنية للاقتصاد العراقي الذي يمثل صمام امان لسيادة ووحدة العراق...

تعليقات

أحدث أقدم