شولا كوهين . أو " لؤلؤة الموساد" التي ماتت عن عمر يناهز 100 عام

مشاهدات

 


حملت شولاميت كوهين الجاسوسة اليهودية الشهيرة أكثر من لقب . فمنهم من سمّاها "ماتا هاري الإسرائيلية" بينما اعتبرتها المخابرات "لؤلؤة الموساد". وهناك من اختصرها إلى "شولا". أما اسمها الحركي فكان "يولين". كيف استطاعت الشابة السمراء ذات العينين الزرقاوين اصطياد كبار المسؤولين اللبنانيين؟

عديدة هي الأساطير التي التصقت بها ولم تكن جميعها صحيحة . لكن هناك حقيقتان لا جدال فيهما : الأولى هي أن سيرة شولا هي من بين أكثر قصص مجتمع المخابرات إثارة في العقود الأولى من إنشاء إسرائيل . والثانية هي أنها لم تكن جاسوسة بالمعنى الشائع للكلمة فلم تكتف بجمع المعلومات ونقلها إلى إسرائيل بل نظمت وساعدت في تهريب اليهود من الدول العربية ولبنان بالذات عن طريق البحر والبر حتى من قبل إعلانها دولة. وقد استمر نشاطها حتى عام 1961.

كان والد شولا رجل أعمال من يهود مصر عمل في الأرجنتين ثم عاد إلى مصر ومنها انتقل إلى فلسطين حيث تزوّج من ابنة حاخام وهو في الثلاثين من عمره . سكن حارة اليهود في القدس وأنجب 12 ولداً وبنتاً منهم شولاالتي وُلدت عام 1920 وكانت فتاة نابهة التحقت بمدرسة للبنات وأنهت الثانوية وهي في السادسة عشر من عمرها.

بسبب الضائقة المالية التي مر بها والدها بعد هجرته من الارجنتين أصر على أن يزوجها من ثري لبناني يهودي يدعى جوزيف الكشك وكان يكبرها بنحو 20 عاماً . وانتقلت العروس بعد الزواج للعيش مع زوجها في حي وادي أبو جميل الواقع في قلب العاصمة اللبنانية بيروت بالقرب من الكنيس اليهودي . فقد كانت الحدود مفتوحة أيامها بين فلسطين ولبنان . عاش الزوجان في شقة سكنية وأنجبت شولا 7 أطفال .

في عام 1947 قامت بإيصال رسالة مع بائع لبناني متجول إلى العصابات الصهيونية تقول فيها :" أنا اسمي شولا يهودية أعيش في بيروت وأود المساعدة وقد سمعت من بعض الأصدقاء أن لبنان سيرسل مقاتلين إلى فلسطين". وجاءها الرد أن تستمر بإرسال المعلومات برسائل مشفرة وتتلقى الجواب عبر الإذاعة العبرية . فعندما تسمع أغنية معينة لعبد الحليم حافظ فهذا يعني أنهم استلموا رسالتها . كما صارت تزودهم بمعلومات عن الثوار والسلاح وعن السكان على الحدود بين فلسطين ولبنان .

كان على الجاسوسة الإسرائيلية أن تنتقل إلى مرحلة أكثر تقدماً . تعرفت على فرنسي يهودي فزودها بحبر سري وآليات جديدة للتواصل معهم . في عام 1949 بعد تأسيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" تحولت شولا للعمل معه مباشرة وطلبوا منها المساعدة في تهجير اليهود اللبنانيين والسوريين إلى إسرائيل .

بدأت تبني علاقات قوية مع المجتمع المخملي اللبناني وراحت تستدرج السياسيين إلى بيتها لتحصل على المعلومات مستخدمة أقدم مهنة في التاريخ . وكانت شقتها تعج بعاهرات صغيرات للقيام بالمهمة .

تهجير اليهود وتهريب أمولهم

بدأت بالبحث عن شخص يعمل في دائرة رسمية لمساعدتها ووجدت ضالتها في موظف يدعى محمود عوض يعمل في وزارة المالية . أغرته وسقط في شباك غوايتها وسهلت له العلاقة مع البنات اللواتي يعملن معها مقابل أن يستدرج رجال السياسة .

استعانت شولا بكثيرين لتنفيذ مهماتها في لبنان وصارت تهرّب اليهود عن طريق البحر ما عُرف حينها بـ "سفينة الأربعاء". وازداد عدد زبائنها لاسيما بعد أن طلب منها "الموساد" السيطرة على بعض الموظفين الصغار العاملين في الدولة اللبنانية . وكلما ترقوا في سلم الوظيفة حصلت هي على معلومات أكثر .

كان لشولا أواسط خمسينات القرن الماضي خمس شقق مستأجرة في بيروت مزودة بكاميرات دقيقة . وصارت تستقبل زبائنها وتقوم بتصويرهم لابتزازهم . وعملت معها فتاة أرمنية فائقة الجمال تدعى لوسي كوبليان في الرابعة عشرة من عمرها كانت نقطة الجذب الرئيسة في الشبكة التي توسعت وزاد نشاطها ليشمل أيضاً تهجير يهود العراق وتهريب الأموال إلى إسرائيل عن طريق إعلان افلاس شركاتهم وأخذ القروض من البنوك والهرب بها .

في عام 1958 طلب رشيد كرامي وزير المالية اللبناني آنذاك التحقيق لمعرفة كيفية اختفاء الطوابع المالية من وزارته . وجرت مراقبة الموظف محمود عوض والتحقيق معه إلى أن بدأت الخيوط تتكشف .

حبيبها ألقى القبض عليها

بعد فترة قصيرة تعرفت شولا على معلم يدعى سمعان واتفقت معه أن يعطي أطفالها دروساً خصوصية . كان زوجها قد تقدم في العمر واحتل المعلم قلبها ومنحته كل عواطفها . ولم يكن سمعان سوى ضابط مخابرات لبناني يدعى ميلاد القارح كشفها وأخبر رؤساءه بتفاصيل شبكتها وتم إلقاء القبض عليها خلال سهرة حميمة .

حُكم على شولاميت كوهين بالإعدام عام 1961 . وتم تخفيف الحكم إلى المؤبد نتيجة لضغوط دولية . وبعد حرب حزيران/ يونيو 1967 تمت مبادلتها بأسرى عرب فعادت إلى إسرائيل واستقبلت بحفاوة وواصلت حياتها هناك . ورغم أنها توفيت قبل ثلاثة أعوام فإن الإسرائيليين احتفلوا هذا العام بالذكرى المئوية لولادتها .

تعليقات

أحدث أقدم