لقد جُنٌ عِشقاً

مشاهدات

 


فائزة محمد علي فدعم

كانت التحضيرات للمولد النبوي الشريف تقام كل سنة . يتبارى الجيران في اظهار الزينة والمأكل والمشرب وكلٌ على قدر استطاعته من النشرات الضوئية والاعلام البيضاء الى اصناف متنوعة من المأكولات وعلى سارية العلم توضع . كف او طير او نجمة وقمر وتعلق الرايات على السطوح . ومن انواع الاطعمة التي يتم تجهيزها . الباجة والكيبايات والممبار والدولمة والزردة والحليب والحلاوة بأنواعها مزينة بالجوز واللوز والمبروش وكانت العمة نبعة زوجة السيد صالح خوشناو ضليعة في عمل الحلاوة بالمستكي وكذلك العمة نعيمة زوجة السيد كاظم دروش العلوجي فهي تطبخ كبة المعلاك (هذه الاكلة الان اختفت تقريباً) حيث تضع بدل اللحم معلاك الغنم .

ومن المعجنات . الكعك والكليجة والسميط والجرك وأيضا الجكليت والمسقول ابو اللوز وحامض الحلو والكرزات وخصوصًا حب الرقي المحمص ويتعاون الناس فيما بينهم اذا اكمل احدهم اشغال بيتهم يذهب لمساعدة جاره وكانت المنقبة النبوية تقام في اكثر البيوت وكل محلة تخصص بيت تقرأ فيه وكان لنا جار موظف تم نقله الى بعقوبة لديهم اقارب يزورونهم كل مناسبة ( عرس ، مولود ، طهور، اداء مناسك الحج ، او زكريا ) ومن ضمنهم كانت هناك فتاة جميلة للغاية وساحرة العيون وفي احد الايام اصطحبناها وعائلتها الي بيت السيد ( س ) وعند دخولنا كان جميع النسوة في احلى زينة واجمل هيئة والفتاة مع والدتها ترتدي العباءة والجوارب السوداء وحين جلست التفت اليها جميع النسوة الجالسات لشدة جمالها واثبتت حضورها بينهن وصادف عند دخولها خروج ابن صاحب البيت الذي كان عمره حوالي ثمان عشرة عاما فوقعت عينيه عليها ومن اللحظة الاولى سلبت قلبهُ وجُنَّ بها وبعد انتهاء الاحتفال ورش ماء الورد خرج النساء الواحدة تلو الاخرى لكنه كان يقف بالقرب من البستان المقابل لداره ( كان الحب سابقا يحدث بنظرات خاطفة فقط )

عند انتهاء الاحتفال عادت الفتاة واهلها الى مدينتهم وظل يسأل عنها واستمر في ذكرها وتذكُرها وبعد عدت شهور عادوا لزيارة اقاربهم فلمحها وارسل لها وردة بيد احدى الفتيات الصغيرات بعد إعطائها قطعة حلوى فقدمتها لها لكنها رمتها على الارض ودخلت الدار .

هام الشاب حبا بها واصبح يتحدث مع كل من هبَّ ودَب عن جمالها واخلاقها وفاتح اهله لخطبتها فرفضوا رفضاً قاطعاً لانهم من ارقى عوائل بعقوبة من حيث الثقافة والعز والمكانة واهل الفتاة اناس متواضعين وكانت كلما تزور اقاربها يترصدها وينتظرها وبعد محاولات كثيرة بائت بالفشل غدا شبحا شاحب اللون نحيل الجسد وكل همه مراقبة الدار حتى لو لم تكن الفتاة فيه وكما قال الشاعر قيس ابن الملوح :

أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى
أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي
وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا

حزن اهله عليه حزناً شديداً ولكن الكبرياء منعهم من خطبتها ... وعندما كانت تأتي لزيارتنا يدعوها ابي الفاتنة ويمازحها لأنها لاتزال صغيرة فهي بنت الخامسة عشر وانا اصغر منها بخمس سنوات لكن عقولنا متقاربة فأحيانا نلعب (ابو بيوت) واخر مرة ارسل لها الشاب مكياج اسمه (ماكس فاكتور) وهو عبارة عن اصبع في اسفله برغي يلف فيخرج الكريم فخجلت ورفضت الهدية ورمقته بنظره خطفت قلبه واصبح عمرها ثمان عشرة سنة والولد على نفس الحال وكثر خطابها لجمالها الآسر .

كان قديما عندما تتزوج البنت اكثر الاهل يأخذون المهر والصَداق لأنفسهم وكأنهم يبيعونها ومن ضمن خُطّابها رجل يكبرها سنا وهو متزوج ولم يرزق بأطفال وكان ثريا فطمع اهلها به ودون جدال تمت الخطبة مقابل مهر عالي اما الشاب فقد سافر الى المانيا للدراسة قبل ارتباطها وكله امل ان يعود ويتزوجها كما كان يصرح للمعارف قائلا : سأتزوجها عند عودتي حتى دون موافقة اهلى ولكنها تزوجت دون رضاها فقد تعلق قلبها بالشاب هي ايضا لكثرة محاولاته وعندما قدمت مره لزيارة اقاربها كانت متعبة الحال ورغم ذلك ظلت جميلة بل زادها التعب جمالاً وكانت تبكي وهي تخبر والدتي عن سوء معاملة ضرتها لها ولم تنجب البنت اولاد من زوجها وفي يوم ذهبت في نزهة الى نهر دجلة مع الجيران ورمت نفسها ولم يستطع احد انقاذها الا وهي جثة هامدة وماتت وهي تشكو ظلم الانسان لأخيه الانسان وبعدها بفتره عاد الشاب وسمع بخبر زواجها وانتحارها فأصابته لوثة من الجنون وعلى اثرها نُقل الى الخستخانة ( الشماعية ) ومكث هناك مدة ليست بالقليلة وبعدها بأشهر تعافى واقسم ان لا يتزوج ابدا ورحل واهله الى مدينة اخرى وكان كلما يزور بعقوبة لتفقد املاكه يذهب الى المنطقة التي كان يسكنها فيأتي ليسلم علينا ويقف عند حائط البستان في نفس المكان الذي شاهدها فيه اول مرة . ويتغنى بالأبيات الشعرية .

تملك حب ليلى القلب مني
فخلت سعادتي نحو التمني
ولكن الزمان اخاب ظني ...

 


تعليقات

أحدث أقدم