حُب من الزمن الجميل

مشاهدات

 


فائزة محمد علي فدعم

في يوم من الايام كنت ارتب الكتب لأضعها على الرف . فاذا بورقة تسقط من احداها ولما فتحتها وقرأت ما فيها اعادتني الى خمسين عاما مضت فهي تتحدث عن قصة حب حقيقية قررت ان انقلها لكم كما كتبها صاحبها الذي بدأها بهذه السطور :

كان الدوام في المدرسة ثلاثة ايام صباحا ومثلها في المساء عندما كنت في الصف الثاني المتوسط . وعند عودتي عصراً في احدى المرات جلب انتباهي باب احد البيوت الجميلة والنظيفة جداً . كانت على عتبتها تجلس طفلة صغيرة عمرها حوالي الخمس سنوات وهي تبدو مُميزة لم ارى مثلها في قريتنا الصغيرة ولا في مدينة بعقوبة التي كنا قد انتقلنا اليها . كانت ترتدي ملابس جميلة وزاهية وفي قدميها خلاخيل وفي رقبتها سلسلة تلمع كبريق عينيها البريئتين ولديها ضفائر مُزينة بالقطع الذهبية . سمراء وجهها كالبدر وحولها صويحباتها الصغيرات اللواتي يفترشنَّ الارض ويلعبنَّ معها فبدأت امازحها دون ان اشعر ولكنها لم تلتفت الي ابداً . فحاولت مرة ثانية لكنها التقطت حصى صغيرة ورمتني بها فمشيت مُبتعداً ولكني كنت افكر فيها وقصصت ما جرى لامي التي قالت :

اعرفهم وهذه فلانة بنت فلان ...

فقلت لها : والله عندما تكبر سأتزوجها .

مرت الايام والسنين ولم ارها بعد ذلك فقد ذهبت الى لبنان للدراسة وعند عودتي عُيِنتُ في محافظة البصرة وكلما رجعت الى بيتنا في الاجازة اجلس في احدى المقاهي القريبة من دارها لعلّي احظى برؤيتها ولو لثواني رغم اني قد لا اعرفها لكن صورتها لم تفارق مُخيلتي لانها من المُؤكد اصبحت شابَّة الان . كان المقهى مقابل املاك السيد ماجد رؤوف ... وفي نهاية اجازتي فاتحت الاهل آملاً انها لم تتزوج بعد . فرحبوا بالفكرة وذهبوا لخطبتها . لكن رد والدها كان مُحبطا جداً . تكررت المُحاولة مرة اخرى واخرى والثالثة ولكن دون جدوى . وكلما كانت الاجابة بالرفض كنت ازداد تعلقا وتمسكا بها ولكن للأسف بقي الحال على ما هو عليه .

مرت السنين وانا ما زلت مُتعلقا بها . كان لأهلي مكانة كبيرة فوالدي شيخا للعشيرة ولم يرفض احداً له طلب حتى تلك الحادثة فشعروا باليأس من تكرار الامر واصروا على ان ارتبط بواحدة غيرها فأخبرتهم ان لي صديقا من البصرة اهله ذو حسب ونسب وكان يأتيني بالطعام الى الفندق الذي اسكنه وكنت احس بانه احد افراد عائلتي وله اخت رائعة وعندما فاتحتهم بالموضوع وافقوا وقلت لهم ان والدايَ كباراً في السن ولايمكنهم المجيء لبعد المسافة ولكن يُمكننا اللقاء في احد الفنادق في بغداد ليتم الاتفاق هناك وفعلا وصل امي وابي وبقوا بالانتظار لمدة يومين فضجروا من تأخرهم وعادوا الى بعقوبة . ولكن عند الظهيرة وصل اهل العروسة وكان سبب تأخرهم لظروف قاهرة وعندما لم يجدوا عائلتي غضبوا وشعروا بالإهانة وعادوا من حيث اتوا لانهم اعتقدوا اني كنت اخدعهم رغم ان صاحب الفندق اخبرهم بانهم كانوا هنا وانتظروهم ليومين ولكن بلا فائدة . كان قضاء الله وقدره ان يفشل هذا الارتباط قبل ولادته ...

لم اتمكن من الحياة في البصرة بعد ذلك فنقلت الى بغداد وكلما ذهبت الى بيتنا افكر في هذه الطفلة التي كبرت الان وازداد اصراري على الزواج منها وخطبتها مرة اخرى فتدخل الخيرين من الاصدقاء المُشتركين للعائلتين ومنهم آل شحاذة من قرية الهويدر وآل كنونة جارنا المقرب والسيدة الفاضلة والدة نوري البصام والحمد لله وافق والدها اخيرا ولكن بشروط تعجيزية اولها مهراً خيالياً وبيتاً كامل المواصفات تسكنهُ لوحدها وطقماً من الماس والانتقال وظيفيا الى بعقوبة فوافق والدي على مَضض ولكنه قال ( هذه مهزلة ويبدو انه يريد ليَّ ذراعي لأصبح مهزلة لأهالي بعقوبة ) المهم انه وافق على جميع الشروط وبعد ايام ذهب الى الصائغ ( عمارة ابو عباس ) ومعه موظف من البنك ورجل من اقاربنا لشراء الماس فوالدي ليس له خبرة في هذه الامور . وفي اليوم التالي ذهب الاهل لإكمال مبلغ ( المتقدم ) فاشترط ابوها ان يأتي الحاكم ورجل الدين لعقد قرانها في البيت . ومع كل ذلك انا لم اراها أو تراني حتى الان وحتى عند العقد كان خالها وكيلها .

كانت تراودني افكار غريبة وأتساءل دوما هل تغير شكلها للأحسن ام الأسوأ ؟ وهل انا على خطأ ام صواب ؟ ولكنني كنت دوما ادعوا الله ان يكون اختياري صحيحا وان تكون جميلة كما كنت اتخيل شكلها . وعندما حان الوقت واصبح الحلُم حقيقة وجاء القاضي السيد جواد العنبكي والشيخ صفاء الدين ونخبة من الاعيان والوجهاء وبعد اتمام المراسيم سمح لها والدها بالمجيء والسلام علينا فدخلت وقبلت يد والدي فكاد قلبي ان يتوقف بمُجرد رُؤيتها لأنها كانت كما تمنيت بل فاقت كل تخيلاتي فهمست في اذن شقيقتي هل هذه هي ؟

ام انني أحلم ؟

عندما رآها والدي قال : كنت على حق فهي تستحق هذه المعاناة ومن صبر ظفر ... اخبرتها عن حبي لها طيلة تلك السنوات من طرف واحد فضحكت وقالت سمعت بهذه القصة فقلت لها مازحاً ( اذن انا مفضوح )

تعليقات

أحدث أقدم