اللواء الركن إسماعيل العارف

مشاهدات

 ضرغام الدباغ


 

تعرفت على اللواء الركن إسماعيل العارف (الوزير والسفير والدكتور فيما بعد) تعرفت عليه في ألمانيا وكنت دبلوماسياً مجازاً لدراسة الدكتوراه في العلوم السياسية عام 1982 والرجل قائد عسكري كان منذ مطلع حياته مهتماً بالعمل الوطني ويفكر بمستقبل بلاده ثم أنه شغل مناصب مهمة في الجيش منها منصب الملحق العسكري في واشنطن ووزير التربية في مطلع الستينات ثم سفير للجمهورية العراقية في براغ وفيها أكمل دراسة الدكتوراه وأحيل على التقاعد وسكن في الولايات المتحدة قرب أولاده الذين درسوا هناك واستقروا فيها.


والرجل على ثراء تجربته الشخصية والسياسية في الحياة يحاذر من إقامة العلاقات ولكن بمرور الوقت وبعد لقاءات كثيرة تحولت علاقتنا إلى صداقة كنا نتجاذب أطراف الحديث في موضوعات شتى وبالطبع منها ذكرياته عن منظمة الضباط الأحرار . وإذا كان العارف قد ذكر الكثير مما يعرفه في كتاب له بهذا الخصوص إلا أن هناك ما يستحق أن يسجل من مذكراته لا سيما أنه كان يعتبر من بين أصدقاء الزعيم عبد الكريم قاسم المقربين .


أخبرني أنه كان قد تعرف على الزعيم عبد الكريم قاسم منذ فترة طويلة سابقة ل 14 / تموز / 1958 وما شد علاقتهما بربط قوي هو تقاربهما في الأفكار الوطنية كما في العلاقات الشخصية وسألته فيما إذا كان قاسماً ذا أريحية في العلاقة الشخصية فأبدى عظيم شوقه لصديقه القديم مترحماً على روحه وكان يسميه كرومي قائلاً : من ...؟ كرومي ...؟ وهل تحلى جلسة ليس فيها كرومي الورد ...؟ وتأخذه صفنة طويلة وكأنه ينظر إلى الأفق تكسو ملامحه حزن عميق ... أستطاع وإن ليس بسهولة الإعراب عنها وتصويرها وأنا أحترم فيها عمق التجربة والمشاعر وأساعده لنضع ملامح الصورة ... نعم حزين على الماضي وما حصل وكأنه ينظر للمستقبل ويقول ما نهاية هذه الصراعات بين العراقيين وهم أخوة في الدين والوطن والقومية ...؟ ولمصلحة من تدور هذه الصراعات ..؟


كان يستطيع أن يكون موضوعياً وعلمياً ولعل دراسته للدكتوراه أعانته في ذلك أن يعيد تقيم كل شيئ منذ العمل في منظمة الضباط الاحرار والانقلاب على الملكية ومرحلة الزعيم عبد الكريم قاسم وهي مراحل كان هو فيها نافذ الرأي والموقف والتجربة والزمن كفيلة بإجراء تعديلات على ما كنا نظنه ثابتاً ومستقراً كالأرض والجبال الرواسي ليس هناك من الثوابت في السياسة سوى العراق والأمة والمصالح الدائمة وسوى ذلك زائل يتكرر كل بضعة عقود.


روى لي أن ما حدث في الموصل كانت نقطة مفصلية وإعدام الضباط القادة كانت الغلطة الأكبر التي ارتكبها قاسم أرتكب تلك الغلطة تحت ضغط من عناصر كانت تحوم حوله فالجميع يدرك أنها كانت أحكام مسيسة لم يقبل بها حتى إثنان من أعضاء المحكمة ممن تخلصوا من الضغوط العقيد فتاح سعيد الشالي والرائد إبراهيم عباس اللامي وكان الوزير العارف في سفرة عمل خارج العراق ويقول كنت الاحظ من بعض حاشية الزعيم التحريض على إعدامهم لذلك وقبيل سفري بيوم واحد جلبت المصحف وجعلت قاسماً يقسم عليه أنه سوف لن يعدم الضباط القادة وأكد لي بأنه سوف لن يفعل وسافر العارف وعند عودته إلى العراق عن طريق بيروت التي أضطر للمبيت فيها ليلة واحدة ليأخذ الطائرة العراقية وقبل مغادرتهم بيروت بوقت قصير أخبره مرافقه أن الإعدام قد نفذ بالقادة وتوجه العارف من المطار إلى مقر الزعيم فور وصوله بغداد والمظاهرات تعم العراق ويقول سألته بربك لماذا فعلت ذلك ... ألا تعرف ما هي قيمة رفعت الحاج سري وناظم الطبقجلي ..؟ ألا يكفي أن العشرات من الضباط الوطنيين إعدموا وقتلوا وسحلوا ..


يستطرد العارف أن الزعيم كان يقابله بالصمت مطأطأ الرأس وكأنه يدرك فداحة الخطأ الذي أرتكبه ولكن لات ساعة مندم ... وبرأي العارف فإن الزعيم قد أرتكب غلطة العمر ...


بقول العارف أدركت ومعي الكثيرون أن قاسماً قطع الجسر بينه وبين الضباط الأحرار وسلك طريقاً آخر بأختياره أو مرغماً وأنه رسم نهايته بيده ومنذ ذاك طبعت الكثير من التصرفات وفقد النظام هويته وصار حكماً فردياً محضاً لا غير. عبد الكريم فاسم يصلح أن يكون قائداً عسكرياً من طراز رفيع وهو صديق شخصي رائع يخدم ضيوفه بيده ولكن الحكم سلب عقله وهو الزعيم الأوحد يحكم كل هذا العراق من شماله إلى جنوبه كما يمليه عليه ضميره وسعة مداركه العقلية فقط وهو غير مؤهل قطعاً لأن يحكم دولة ويحدث التحولات المطلوبة . وحتى رفاق الثورة بدأوا يستشعرون فداحة أن يكون العراق بخير ومستقبله واضح وزاهر بهذا الأسلوب ...


توفي إسماعيل العارف في الولايات المتحدة تغمده الله بوافر رحمته ورحم الله كل قائد عراقي مخلص عمل وكان قصده خير العراق وأزدهاره بلا تعصب بلا تشدد ولنأخذ العبرة من تلك الأحداث كلها فوطننا اليوم محتل والسيادة فيه مهلهلة والبلاد يعبث بها من يشاء مسلوبة منهوبة وقد فقدت استقلالها الذي شيد بالغالي والنفيس ولا حول ولا قوة إلا بالله

تعليقات

أحدث أقدم