الكاظمي ..بين مطالب المتظاهرين المشروعة ..وضغط الاحزاب الفاسدة ..

مشاهدات



ثائرة اكرم العكيدي 


الناظر لواقع المظاهرات السابقة في العراق يجد أنها بالعموم لم تحقق الأهداف التي خرجت من أجلها وقد كانت النتائج في الغالب العام نتائج عكسية وذلك بسبب القبضة الحديدية للحكومات السابقة وتغول المليشيات في الساحة العراقية وكذلك عدم وجود إرادة دوليّة حقيقيّة لدعم الشعب العراقيّ للخروج  من أزمته.

أما مظاهرات ثورة تشرين فقد أدّى التنظيم العالي والتكافل والتعاون بين المحتجين الشباب وإندفاعهم ومبادراتهم الخلاقة الى كسب عقول وقلوب شرائح مختلفة من المجتمع العراقي إلى جانب الثورة ما أدام زخم التظاهرات ووسع قاعدتها الى أبعد الحدود وأعطى إشارات طمأنة إيجابية لمساندي الثورة باستمرارها وديمومتها،كما إن المستوى الأفقي واللامركزي في قيادة حركة الإحتجاج أثبت نجاحه ليس فقط في مرحلة التحشيد للثورة، وإنما أيضاً في الفوز في عدد من الجولات المهمة في مرحلة بناء منظومة التغيير السياسي للثورة مثل إسقاط حكومة عبدالمهدي وتشريع قانون مفوضية الإنتخابات المستقلة، ومؤخراً في تشريع قانون إنتخابات يمكن أن يؤدي الى تمثيل حقيقي للشعب العراقي مع بعض التعديلات. فقد كان لاستخدام ستراتيجية فرض المعايير والشروط مع الإحتفاظ بحق الرفض دوراً فعالاً في نجاح حركة الإحتجاج في هذه الجولات لأنها رمت الكرة في ملعب أحزاب السلطة في حين استمرت هي بتصعيد الفعل الإحتجاجي وهو أمر أثبتت الحركة أنها تجيده لزيادة الضغط على أحزاب السلطة للتنازل ودفع المترددين على حسم موقفهم لصالح الثورة. كذلك ساهم في نجاح ستراتيجية حركة الإحتجاج هذه إعتمادها على مفاهيم مبتكرة مثل الوعي قائد ولا أحد يمثلني مع هيكلية جماعية تنسيقية خلاقة تعمل على توضيح المطالب وتحديد خطة المسار للتغيير السياسي.

إلا أن أهم ميزة لثورة تشرين عن مثيلاتها إنها لا تحتاج الى

تعديلات دستورية او تعليق بعض من فقرات الدستور العراقي من اجل المرور الآمن من خلال الطريق الوعر للتغيير السياسي نحو الوصول ال  تحقيق اهداف حركة الاحتجاج في الغاء المحاصصة .

المكوناتية والحزبية ومحاربة الفساد وتحصين سيادة الدولة فكل ما تحتاجه هذه الثورة لتحقيق هذه الأهداف هو تشريعات برلمانية لإصلاح المنظومة الإنتخابية مع سلطة تنفيذية مستقلة وفعالة تدير الفترة الإنتقالية التي تنتهي بإنتخابات عادلة وحيادية تعكس التمثيل الحقيقي للشعب العراقي بما يغير من موازين القوى في العملية السياسية لصالح إرادة الشعب وتقليص نفوذ أحزاب السلطة.

لكن حركة . ان غالبية الاحتجاجات في العراق هي مظاهرات عفويّة شعبية خرجت بعد أن وصل الناس لمراحل الانفجار التي لا يمكن تحمّلها. وقد لاحظنا أنّ العديد من القوى المشاركة في العمليّة السياسيّة حاولت ركوب موجة الاحتجاجات، وبعضها نجح، وهذه نقطة ضعف كبيرة في المظاهرات العراقيّة، وبالتالي من يريد الإصلاح عليه أن لا يسمح لكلّ مشارك في العمليّة السياسيّة القائمة أن يُشارك في المظاهرات إلا بعد خروجه من الحكومة والدرجات الخاصّة في مؤسّسات الدولة المدنيّة والعسكرية.

ان مطالب ثورة تشرين مشروعة وقد اعترفت بها اغلب  الطبقات  السياسية  لأن النظام السياسي الحالي في العراق، الذي بني على المحاصصة العرقية والطائفية، لم يتمكن بعد من خلق فرص عمل لأبناء الشعب العراقي رغم الثروة الهائلة التي يملكها بلد نفطي مثل العراق. والحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 وحتى اليوم لجأت إلى اسلوب التوظيف التنفيعي في الدولة الأمر الذي أدى إلى ترهل الجهاز الوظيفي بشكل كامل.

ما لم يكن متوقعاً حقاً هو أن المتظاهرين الذين لم يأخذوا إجازة رسمية وفقا للقانون ولم تكن لهم مرجعية واضحة هو إصرارهم على الاحتكاك بقوات الأمن التي كانت في البداية  مجرد قوات لمكافحة الشغب تحمل معها خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.

غير أن الأمر اللافت في هذه المظاهرات أنها فاجأت العراقيين، وكذلك فاجأت أركان الحكومة الذين كانوا يتصورون أنها لن تخرج عما كان سائداً طوال السنوات الماضية على صعيد المظاهرات.

كان حق التظاهر والاحتجاج مكفولا ديمقراطيا لولا وجود أولئك المندسين الذين استغلوا ذلك الحق ليفرضوا من خلاله أجندات أجنبية لسان الأنظمة يقول وهو أمر لم يجر على نحو معقول ذلك لأن المندسين ظلوا عبارة عن أشباح ولم تستطع وسائل دعاية تلك الأنظمة أن تعلن عن القبض على مندس واحد، لكي يتم من خلاله التعرف على صورة المندس. كان المندس عبارة عن شبح حاولت الأنظمة من خلاله أن تطارد حشود المحتجين لكي يشعر كل فرد منهم بالخشية من أن يكون مندسا. وهي لعبة سمجة مثلما كانت لعبة المؤامرة التي سبقتها.

 ثورة تشرين التي كان متوسط أعمار المشاركين فيها لا يزيد على عشرين سنة، كانت هناك حقيقة واضحة، هي أن معظم المشاركين في المظاهرات والاحتجاجات من أبناء هذا الجيل الجديد ولذا جاء الكلام عن وجود طرف ثالث وليس جماعات مندسة تولى أفراده قمع المتظاهرين والقوات الأمنية معا وهذا طبعاً بمعزل عن الاتهامات لأطراف إقليمية ودولية بأنها هي المسؤولة عن زرع هذا الطرف الثالث في الاحتجاجات كي يلعب دور التأجيج من خلال القنص المباشر للمتظاهرين وحُماتهم من الجيش. وجدير بالإشارة أن الجيش كان قد دخل على الخط في الايام الاولى للثوة  في أعقاب تزايد أعداد الضحايا، وبلوغها مئات القتلى والاف الجرحى، وكذلك قوات وزارة الداخلية وما عدا الاتهامات غير الموثقة فإنه لم يثبت حتى الآن هوية الجهة التي تقف خلف  الطرف الثالث لم تعرف .

الأحزاب الحاكمة في العراق غالبيتها لم توضح موقفها الرسمي من المظاهرات عدا حزبين حيث كانت انتقاداتهم للمتظاهرين مرة ايجايية واحيانا سلبية والبقية كانت تصريحاتهم خجولة وغير واضحة ومنهم من اتهم هذه المظاهرات بأنها تخريبية، وتدميرية وأنّها مدعومة من الخارج.

وفيما يخص هوية الثورة فالبعض قال هي ثورة شيعية بما أن الجزء الأساسي منها محافظات الجنوب لكن المتظاهرون  اثبتوا  انها ثورة عابرة لجميع الطوائف والايان وحتى القوميات  وبغداد المدينة المختلطة هي أساس الثورة وحتى مدن الجنوب تَعي وضعية بغداد داخل الثورة لذلك أنشأت مؤسسات مثل الّتي في بغداد، كجبل أُحد المطعم التركي وبالتالي الثورة تكتسب هويتها من هوية بغداد.

وبخصوص المطلب الديمقراطي داخل الثورة .أن شعار الثورة ليس ديمقراطيا بل يتركز في نريد وطن ونريد كرامة وهنا يأتي دور النخب، في نجاح الثورة من شمال العراق الى جنوبه الوطن ايها الشباب ينزف بطوله وعرضه وليست هناك بقعة متعافية على خارطته .

لقد أدرك الكاظمي هذا الخلل وسعى إلى فتح الأبواب التي أغلقتها الحكومات السابقة وأولها فك الارتباط بإيران والأحزاب والمليشيات التي تدور في فلكها. فالدوران في فلك إيران يجعل من العراق ساحة للصراع بينها وبين الولايات المتحدة، وهو يعاني من هشاشة اقتصاده.

وكان الكاظمي قد دخل في بداية تشكيل حكومته في مفاوضات شاقة وكانت الأصعب مع ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي خاصة وأن قادة من حزب الدعوة من المناوئين للأخير كان لهم دور حاسم في مساعدة الكاظمي على الترشح لرئاسة الحكومة.

واضطر المالكي للدخول في مفاوضات مع الكاظمي مطالبا بوزارتي الداخلية والتعليم ومنصب نائب رئيس الجمهورية وسبق للمالكي أن تولي هذا المنصب في رئاسة الرئيس الراحل جلال الطالباني لتنتهي المفاوضات إلى طريق مسدود.المالكي والذي يتزعم حزب الدعوه اااسلامية والذي شهدت في فترة ترأسه لدورتين وخلال ثمان سنوات شهد عهد العراق اسوأ مرحلة من الحرب الطائفية والفساد .

الكاظمي اليوم  يعاني من مشكلة المناصب وخاصة الوزارات السيادية إضافة إلى مشاكل تتعلق بالمناصب العليا كالهيئات المستقلة والمدراء العامين وغيرها وأن هذه المشاكل يعاني منها الكاظمي بسبب مطالب الكتل السياسية لا على أساس المصلحة الوطنية والبلد بل مصلحة الأحزاب.

فهو أول رئيس وزراء يدرك أهمية المحيط العربي الذي أهملته الحكومات السابقة لصالح ارتباطها بإيران في الجهة الأخرى كانت بلدان الخليج ولا تزال تسعى إلى إعادة العراق إلى حاضنته العربية.

لكن العوائق تظهر من إيران وتوجه الأحزاب والمليشيات الموالية لها، مما زادت في تعميق الشرخ بين العراق وبلدان وبقية بلدان العالم بما فيهم دول الخليج.   

أصرت الحكومات السابقة على إعطاء العراق وجها مذهبيا طائفيا محددا متجاهلة عمقه القومي العربي وهويته العراقية وهو إصرار غريب لم يعرفه العراق في تاريخه السياسي الحديث.

تبقى أنفاس إيران طاغية على السياسية العراقية مهما فعل الكاظمي لأنه مُكبل بضغوطات الأحزاب والمليشيات الموالية لها والتي تشلها من التحرك في حل الملفات الداخلية والخارجية. أن معظم الأحزاب التي شكلت طيلة 17 عاما من النخب الحاكمة كانت تأتمر بأوامر إيران، بينما يسعى الكاظمي لكبح نفوذها وبالتالي فإن الدعوة تثر الريبة في توقيتهاوقد يكون الهدف منها التشويش على جهوده.

وكان لافتا منذ البداية أن مهمة الكاظمي ليست بالهينة وأنه أشبه بمن يسير في حقل ألغام فمنذ توليه مهام  الوزارة  حتى يومنا هذا حاربته الاحزاب الايرانية العراقية وقد  طالبته بما عجز عنه أسلافه عن انجازه في أعوام.

على الكاظمي أن يقدم ما هو في مصلحة العراق وليس ما يرضي الأصوات الحزبية التي تريد إرضاء الجانب الإيراني أو تعمل على شعارات شعبوية لا تفيد الصالح العام. العراق ما زال بحاجة إلى الدعم العسكري الأميركي  وعلى الكاظمي أن يشرح ذلك بوضوح وشجاعة للشعب العراقي والكاظمي بحاجة إلى من يسانده في هذه المعركة المطلوبة لا محالة إذا كان هناك أمل في إنقاذ العراق وتحقيق العدالة.

وعليه أن يضرب بيد مِن حديد مَن كان وراء مقتل المتظاهرين والناشطين واصحاب الفكر النير والقلم الحر النزيه وعليه أيضا تقوية مؤسسات الدولة لتستطيع فرض سيادة القانون هو يدرك ذلك ويسعى لتقليم أظافر الأطراف المتطاولة على القانون.

تعليقات

أحدث أقدم