ذاكرةٍ مزدحمةٍ بالصوَر

مشاهدات


 

عمر الفيصل


معتكفاً منذ الصباح ، عاكفاً على ذاكرةٍ مزدحمةٍ بالصوَر والأحداث ، بدأ تكوين خزينها بُعيد عام 1959، أو ربّما قبل انقضائه بقليل ، لتمتلئ في مثل هذا اليوم قبل ستّةٍ وأربعين سنةً ، في اليوم السادس عشر من كانون الأول ديسمبر من عام ألفٍ وتسعمائة وستٍّ وسبعين للميلاد . وكأن كل ما بعده كان من محتوى ذاكرةٍ أخرى تختلف عن تلك بكلّ شئ . منذ بزوغ شمس هذا اليوم  للآن وأنا أجتاز غروبها بساعاتٍ أحسّ بحاجةٍ ملحّة لتخفيف هذا الزخم الهائل من المشاعر والصور التي تكلّ مكتبةٌ عن الاتّساع لها محاولاً إفراغ بعضها ولو بسطورٍ ، فيمنعنيها هذا الجمال والفخامة اللذان يثقلان متنيَّ قدرهما من الألم والوجد . نعم .. لقد توقّف الزمنُ برهةً ليضعني على مفترقٍ اجتمعت عليه نهايةٌ وطَرٍ وبدايةُ مرحلةٍ مختلفةٍ بكل شئ ، من صوَر الحياةِ إلى حقائقها ، عصر ذلك اليوم ، وانا أتسمّرُ واجماً على وقع تقاطيع وجهِ وكلمات خالي الذي دخل إلى غرفتي في (الطابق الثاني في فندق الميثاق بشارع الكويت ، نهايتهِ المقابلة للطريق المؤدي إلى سوق الهنود في العشار - البصرة الفيحاء) حاملاً بيده ورقة برقيّة بريديّة ، بنظرات مواسيةٍ وصوتٍ متكسّرٍ يتساقطُ كالشظايا الحادة الملتهبة على جنبات القلب .  نعم .. منذ شروق شمس هذا اليوم للآن ، وأنا عاجز عن تنفيس دفقةٍ من هذا الزخم الهائل من الخزين الملتهب سوى هذه الكلمات لأعيش أقسى ذكرى يمكن أن يحسّها رجل .. على أنّي أجّلت ما ينبغي أن أكتبه عن ذلك (العالَم الرهيب) إلى وقتٍ لاحق : 


كيف أرثيكِ ؟ 

أيُّ طَقسٍ يُجاري لوعَتي فيكِ 

من طُقوسِ الرثاءِ ؟ 

أيُّ حالٍ أكونهُ حينَ يَسمو 

ألمُ الروح عن دموعِ البُكاءِ ؟

أيّ معنىً للحزنِ يكفي لوصفِ المُرتجى 

إذ يغيبُ معنى الرجاءِ ؟

حين يعرى العزاءُ من كُلّ ما 

تملكُ اللغاتُ من مفرداتِ العزاءِ ؟

ويؤولُ امتزاجُ روحٍ بروحٍ 

لعصورٍ من البِلى والتنائي ؟؟


رحمكِ الله أيتها المعنى الكبير عقلاً وقلباً وحكمةً شهد لها كل من عرفك وأنصتَ لها الرجال ، وإن أنسَ لا أنسى ما كان يناديك به إبن خالتك الشيخ العلّامة السيّد ابراهيم الآلوسي :  (حوّاء) مبرراً ذلك بقوله أنّكَ كنت تحملين هموم الناس وتتصرفين حيالها  وكأنك أمٌّ لكل البشر . وجعلنا سبباً في رحمتك الآن وحين تجتمع الخلائق أمام الرحمن الرحيم .

تعليقات

أحدث أقدم