محمود خالد المسافر
أعكف منذ مدة على كتابة أهم ألأحداث والمواقف التي واجهتها خلال عملي بوزارة الخارجية للمدة من الثاني من كانون الثاني/ يناير من عام 1995 حين بأن دراستي في معهد الخدمة الخارجية ولغاية مغادرتي لها أو ألأصح إقالتي منها بتأريخ من 30 آب/ اغسطس من عام 2006 وذلك بعد مرور شهر كامل من تاريخ نقلي من وظيفتي قائما بأعمال سفارة العراق في كوالالمبور وعدم التحاقي الى مركز وزارة الخارجية في بغداد . وقد ترددت في إكمال كتابة تلك ألأحداث مرات عديدة وتوقفت مرات اخرى ولكن الرغبة في نشرها لا زالت تراودني لاسباب كثيرة ساشرحها في مقدمة الكتاب الذي سانشره حين استكمل كتابته ولم أكن أنوي نشر أجزاء منه على شكل مقالات على عكس كتاباتي ألأخرى ولكنني أراني مضطرا لنشر هذا الجزء الخاص بعملي في دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية لما له علاقة بالدكتورة عقيلة الهاشمي التي كانت محور نقاش وقع في السابع من كانون الثاني/ يناير من عام 2022 وفي احدث حلقات برنامج "قصارى القول" عن العراق والذي يقدمه ألإعلامي سلام مسافر في القسم العربي من قناة روسيا اليوم وبمناسبة الذكرى الخامسة عشر لإغتيال الرئيس الراحل صدام حسين . إذ ذكر السيد سالم الجميلي ضيف الحلقة والمدير السابق لشعبة اميركا في جهاز المخابرات الوطني أحداثا مهمة مرت عليه خلال عمله في جهاز المخابرات ولا سيما ما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية . ومن بين ما ذكر بخصوص فشل المخابرات الامريكية في تجنيد الدبلوماسيين العراقيين أشار الى حالات نجاح معدودة من بينها تجنيد وزير مفوض ومدير مكتب وزير الخارجية !. وبعد ان ألح عليه المحاور لمعرفة اسم الجاسوس الامريكي في مكتب وزير الخارجية جاءت اجابة السيد سالم الجميلي صادمة للكثير من موظفي وزارة الخارجية لا سيما الذين عملوا مع الدكتورة عقيلة الهاشمي وأود هنا وقبل أن أبين رأيي في هذا الموضوع تحديدا أن أؤكد انني لا أتفق مع اي استنتاج بشأن عمل اي شخص مع مخابرات دولة اجنبية من خلال افعاله في عهد يلى العهد الذي تضمنه الاتهام وإن أي إتهام لشخص ما ينبغي ان يستند إلى أدلة واقعية واضحة وليست تحليلية او إستنتاجية . وسأعرض لكم هنا بعض المعلومات التي احملها عن تلك المرحلة التي عملت فيها مع الدكتورة عقيلة الهاشمي ولمرتين الاولى من بداية عام 1998 ولغاية منتصف عام 1999 والثانية منذ منتصف عام 2001 وحتى نقلي الى القاهرة في نيسان من عام 2002 . وبعدها سأجيب على تساؤل هل كانت دكتورة عقيلة جاسوسة للامريكان في وزارة الخارجية العراقية في مرحلة ما قبل الاحتلال الامريكي للعراق في عام 2003 ؟ .
لقد تعرفت على الدكتورة عقيلة الهاشمي منذ الايام الاولى لي في وزارة الخارجية كموظف دبلوماسي في عام 1997 إذ عبّرت دائرة المنظمات عن رغبتها في انضمامي اليها كوني احمل الماجستير في الاقتصاد الدولي وقد طلبت الدكتورة عقيلة الهاشمي من رئيس الدائرة الادارية تنسيبي كما فعلت مع غيري من الموظفين الجدد الى دائرة المنظمات/ قسم الأمم المتحدة وذلك بعد تخرجي مباشرة من دورة المعهد (18) وتعييني موظفا بدرجة سكرتير ثالث في وزارة الخارجية بتاريخ 18 تموز/ يوليو من عام 1997 لكنني فضلت ان أكون في دائرة المغتربين بسبب طبيعة عملها ألأقل تركيزا فضلا أن فيها رئيس دائرة متعاون جدا معي ومتفهم لحاجتي للوقت من اجل إكمال إطروحة الدكتوراه التي كنت في مراحلها الاولية وهو السفير صباح جميل عمران . استدعتني الدكتورة عقيلة الهاشمي لتسأل عن سبب تفضيلي لدائرة المغتربين فقلت لها بصراحة إن أهم هدف عندي الان هو إكمال دراسة الدكتوراه وليست الوظيفة لم يرق لها جوابي وحاولت إقناعي بكل الطرق منها إفهامي إن دائرة المنظمات فيها إيفادات للخارج اكثر بكثير من الدوائر ألأخرى أو حقيقة ان الموظف الكفوء في دائرة المنظمات يمكن له أن يبرز وأن يُعرف بسرعة من قبل مسؤولي الخارجية لكنني أصريت على موقفي وبعد حوالي عام استدعتني مرة اخرى واقنعتني بنقلي الى دائرة المنظمات/ قسم الأمم المتحدة التي كانت ترأسه آنذاك . عملت على نحو مباشر مع الدكتورة عقيلة الهاشمي وأقر بانني تعلمت منها الكثير فيما يخص سياقات العمل في وزارة الخارجية ولا سيما ما يتعلق بالمنظمات الدولية وقد ظهر لي وعلى نحو واضح خلال عملي معها انها كانت تشعر بالغبن في وزارة الخارجية إذ كانت تعتقد انها ينبغي ان تكون سفيرة ولا تقف عند درجة وزير مفوض وان تكون رئيس دائرة وليست مدير قسم او معاون رئيس دائرة . وقد وكان معروفا لدينا ايضا ومن سماعنا من الدبلوماسيين الذين سبقونا ان الدكتورة عقيلة كانت تعمل سكرتيرا صحفيا في مكتب السيد وزير الخارجية طارق عزيز وليس مديرة للمكتب كما ذكر السيد سالم الجميلي في مقابلته في برنامج قصارى القول المشار اليه اعلاه . ولقد ذكر السفير فاروق الفتيان الراوي قبل ايام ومن خلال صفحته الرسمية في الفيسبوك انها اي الدكتورة عقيلة تم تعيينها مديرة لمكتب الاستاذ طارق عزيز عندما كان مشرفا على وزارة الخارجية وقبل تعيين الدكتور ناجي صبري الحديثي وزيرا للخارجية ولم يستمر وجودها في مكتب الاستاذ طارق عزيز الا ايام قليلة . في احد الايام اتصلت بي الدكتورة عقيلة وطلبتني الى مكتبها وكنا في الدوام المسائي وبادرتني فقالت انا اعرف ان لديك علاقات جيدة في الحزب والدولة واعتقد ان سبب ذلك الظن هو انني قد تم تنسيبي اول الامر الى دائرة المغتربين التي تتكون من موظفين في وزارة الخارجية وموظفين منسبين من جهاز المخابرات الوطني وكان بعض زملائي في الخارجية وبغض النظر عن مستواهم الوظيفي لا يستطيعون ان يميزوا بدقة بين الموظفين التابعين لجهاز المخابرات وبين موظفي الخارجية على الرغم من ان عملية تنسيب جهاز المخابرات لموظفيهم من اجل العمل في وزارة الخارجية كانت تتم بطريقة شفافة ليس فيها ما يقلق الموظفين العاملين في الخارجية ومن اطرف المشاهد والاحداث ان الموظفين المختصين في الدائرة الادارية لم يكونوا يضعون اسمي في القائمة الشهرية لـ (الدبلوماسي الخفر) اسوة بزملائي من الموظفين في دائرة المغتربين ومن المنسبين من جهاز المخابرات الوطني!. اجبت الدكتورة عقيلة وماذا يمكن ان اقدم لك قالت اريد ان اكون عضوة عاملة في الحزب ولكن مسؤولي المباشر يقول انني قد تجاوزت سن الخامسة والاربعين وان النظام الداخلي لا يسمح بذلك وقلت لها وماذا يمكن ان افعل انا قالت ان تساعدني وتوصل الموضوع الى مكتب امانة سر القطر . المهم هنا ان الدكتورة عقيلة كانت تبحث دائما عن فرصة لتثبت للقيادة العراقية واجهزة الدولة الحساسة انها أهلا لمهمة اكبر من التي كانت تحملها في وقتها لذلك كانت تقضي اوقاتا طويلة وهي تترجم بعض الوثائق او المقالات الى مكتب الاستاذ طارق عزيز او الى جهاز المخابرات او ديوان الرئاسة تفعل ذلك وهي غير راضية ولكن يدفعها الامل للعمل بكل ما يمكن ان يوصلها الى مبتغاها . وقد صارحتني يوما بقولها الا يستحق العراق ان تكون فيه امراة ممثلة دائمة لدى الامم المتحدة ؟. ولم تكن الدكتورة عقيلة محظوظة بما يكفي اذ لم تتغير أحوالها بعد حصولها على العضوية في حزب البعث العربي الاشتراكي وحتى العدوان على العراق وطبعا ان الموقف من موضوع نقل الدكتورة عقيلة الى البعثات او ترشيحها لدرجة سفير لم يكن تخصها شخصيا وانما كان ذلك نكسة في توجه الحكومة العراقية التي فضلت نقل الدبلوماسي على الدبلوماسية وذلك لسببين الاول نتيجة حادثتين معروفتين في الخارجية بطلة احداها كانت موظفة في وزارة الخارجية وتم نقلها الى جنيف في عام 1990 والتي اساءت التصرف هناك وتم اعادتها الى المركز. وبطلة الحادثة الاخرى هي بولين كوركيس توما والتي تم اتهامها بالتجسس للاجهزة الاستخبارية في روسيا والتي فصلت من وزارة الخارجية وسجنت مدة طويلة واعيدت بعد الاحتلال للخدمة في وزارة الخارجية ثم نُقلت مرتين الى موسكو بعد ذلك . والسبب الثاني هو انه وبعد عام 1990 ونتيجة لبدء الحصار الاقتصادي على العراق تم تقليص عدد العاملين في السفارات على نحو كبير حتى ان بعض السفارات اقتصرت على دبلوماسي واحد من غير اي معاونين لا في الامور الدبلوماسية ولا الادارية ولا حتى في القضايا اللوجيستية او الفنية لذلك تم تفضيل عمل الدبلوماسي الذي كان وفي حالات معروفة يلتحق للبعثة لوحده وليس مع عائلته .
اثارت حادثة طرد العاملين في بعثة الامم المتحدة للتفتيش التي ذكرها السيد سالم الجميلي على عجل وفي عجل ايضا استنتج ان عملية طردهم كانت خطأ وان العراق لاحقا كان يتوسل لاعادتهم الكثير من التساؤلات عن جدواها من عدمه وأود القول انه من واقع عملي في قسم الامم المتحدة بدائرة المنظمات الدولية وعلاقة هذا القسم وغيره من الاقسام المهمة بجهاز المخابرات العراقية كنت اعلم ان اغلب المفتشين والموظفين العاملين في بعثة الامم المتحدة من الموظفين الدوليين وحتى العاملين على تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء كانوا جواسيسا للولايات المتحدة الامريكية وكانوا يزودون الجانب الامريكي بتقارير مشفوعة بصور عن كل المواقع التي يتمكنون من رصدها وان هذا العمل كان واضحا للاجهزة الامنية . وعندما وجهت اميركا ضرباتها للعراق في عام 1998 انتابت اغلب الناس ومنهم موظفي الخارجية مشاعر الغضب بسبب استمرار بعثات الامم المتحدة بممارسة دورها التجسسي في العراق وعلى نحو قبيح لايمت للدبلوماسية باية صلة فقمت على إثرها بكتابة مقترح للسيد وزير الخارجية مشفوع بموافقة عدد من موظفي دائرة المنظمات نطلب فيه طرد موظفي التفتيش والامم المتحدة . وقد وقع على مقترحي عدد مهم من موظفي دائرة المنظمات وعندما ذهبت الى الدكتورة عقيلة لاخذ توقيعها وعلى الرغم من انها ايدت المقترح وبشدة لكنها رفضت ان توقع عليه وهنا علمت ان الدكتورة عقيلة تعمل بتوازنات معينة تحاول ان تخفيها عمّن حولها. وقد يقول البعض اليوم وفي هذا الوقت ان ذلك المقترح كان عاطفيا ومتسرعا ولكنه كان تلقائيا ويتماشا مع مشاعر ابناء شعبنا الذين يُقصفون بطائرات امريكية تعرف طريقها الى اهدافها من خلال ادلّاء وجواسيس وهم موظفي الامم المتحدة . انا من الذين يؤمنون ان توجه الانسان الديني يكون واضحا على ظاهر الشخص وان الحالات العكسية لا تعد قياسا بل هي استثناءً وان كثرت لا سيما في ايامنا هذه حين تجد البعض تعلو على وجهه وتحيط به علامات الزهد والورع ولكنك تكون امام شيطان متلبس بهيئة ملَك. ولذلك ومن اجل معرفة وتحليل شخصية اي انسان علينا ان نتفقد رؤيته الدينية اذا كان متدينا او لا او اذا كان علمانيا يؤمن بمنع رجال الدين عن التدخل بالسياسة او انه يؤمن بالخلافة او الامامة او غيرها من النظريات السياسية الاسلامية . ولذلك فانني اقول بخصوص الدكتورة عقيلة الهاشمي ان تصرفاتها في الوزارة وفي الحياة العامة وطريقة ملبسها لا تدلل انها قد اختارت طريقة عائلتها المعروفة بالاصولية الدينية ولكنني ايضا كنت اراها بين مدة واخرى تخرق الظاهر غير الملتزم وتتجاوزه الى اقصى اليمين ومن ذلك انها اخبرتني في احد الايام ان الدكتور قصي عبود الجابري قريبها إذ كان الدكتور قصي زميل لي في دراسة البكالوريوس ولا اعلم من قال لها انني اعرفه فقلت لها ولكنه جابري وانت هاشمية فقالت نعم انا ايضا جابرية ولكن اسرتنا تلقب بالهاشمي وهنا مازحتها وقلت لها ضننتك قريبتنا اي من الاسرة الهاشمية البغدادية لان جدتي لوالدي هي السيدة لطفية السيد جميل البغدادي الهاشمي وهي قريبة رئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي ياسين الهاشمي فاجابتني بسرعة وقالت "لا عيني اني هاشمية حقيقية"!. وطبعا كانت تلك اشارة طائفية لم ابلعها بسهولة وكان ردي عليها استهزائيا . وفي حادثة اخرى في عام 2001 وفي مناسبة العاشر من شهر محرم دعتني الدكتورة عقيلة لزيارتها في دارها في حي الجهاد من اجل المشاركة في (طبخ الرز والقيمة) او على الاقل حتى آخذ حصتي من (القيمة والتمن) كما نسميها نحن العراقيون . اعتذرت منها وقلت لها ان بعض رفاقي في الفرقة الحزبية في المنطقة يقومون بهذه الفعالية كل عام وانا اتواجد معهم في كل عام ولا اريد ان اتخلى عنهم هذا العام فقالت كلمة استوقفتني كثيرا ولم افهمها اول وهلة اذ قالت تعال الى مناسبتنا وسترى كل احبابك . لكنني اعتذرت فيما ظل الفضول يداهمني بين وقت وآخر لأعرف من هم احبابي الذين يذهبون الى هذه المناسبة في دار الدكتورة عقيلة وعلمت لاحقا ان عدد من السفراء كانوا يذهبون الى دارها لمشاركتها في المناسبة وانها تبعث بحصة من القيمة والتمن الى اغلب بيوت قادة وزارة الخارجية والاهم هو انني علمت من السفير الدكتور كاظم الراوي انه كان يذهب الى دار الدكتورة عقيلة في هذه المناسبات ليساهم في طهي القيمة والرز ولعل هذا هو من كانت تقصده الدكتورة عقيلة بـ (احبابك) وهي حسجة عراقية لأن بيني وبينه ما صنع ىالحداد المهم انني لم انضم الى حزب الدكتورة عقيلة في طبخ القيمة بل فضلت ان انضم الى رفاقي البسطاء من اهالي منطقة الصليخ التي عشت فيها اكثر من عشرة اعوام من حياتي قبل ان اغادرها الى القاهرة في عام 2002 .
عدت الى دائرة المنظمات في منتصف عام 2001 عندما تم تاسيس قسم جديد اسمه قسم المنظمات الاقتصادية متعددة الاطراف. وعندما بدأت الدوام في القسم الجديد بدائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية وكان يترأسها في هذا الوقت الدكتور سعيد الموسوي صاحب الموقف المتميز بعد احتلال العراق ورفضه للتعاون مع الادارة المدنية للاحتلال ومثلما فعل عدد كبير من سفرائنا الوطنيين علم بعض اصدقائي في دائرة المغتربين من المنسبين من جهاز المخابرات انه علاقتي ستكون مباشرة مع الدكتورة عقيلة الهاشمي فافتعل احدهم سببا للحديث وكنت ازورهم والتقي بهم بين مدة واخرى كونهم زملاء سابقين لي في ذات الدائرة وقال لي "لا تروح زايد مع دكتورة عقيلة". ولطالما كنت ولا زلت بطبيعتي ارفض نظام الوصاية فقلت له ماذا تقصد بالضبط قال اخي ابو مصطفى انت عزيز علينا ارجوك انتبه كثيرا في اي طلب او عمل تطلبه منك دكتورة عقيلة وكانت هذه اشارة كافية لي بان جهاز المخابرات لا يثق بالدكتورة عقيلة الهاشمي لم تؤثر نصيحة صديقي تلك في علاقتي بالدكتورة عقيلة الهاشمي معاون رئيس دائرة المنظمات ولكنها اعادت الى ذهني كل محاولات الدكتورة عقيلة لبيان مظلوميتها التي لم تخفها عن كل من حولها. ولكن اود التنويه هنا الى ان الدكتورة عقيلة ظاهريا كانت حريصة على سرية المعلومات حتى انها وفي احد الايام وفي الدوام المسائي وكنت ابحث في حاوية المراسلات التي تخرج من رئيس الدائرة وتعود الى الموظفين عن مراسلة مهمة قال لي رئيس الدائرة انه وضعها في الحاوية الخاصة في مكتب السكرتير . فبحثت عنها ولم اجدها فضننت انها قد تكون قد ارفقت مع اوراق مسألة اخرى لموظف آخر فاعدت بحثي ولكن هذه المرة بطريقة ابطأ من المعتاد وفي ذهني لعلني اجدها مرفقة باوراق اخرى حينها دخلت الدكتورة عقيلة ولم يرق لها ما كنت افعل وقتها وقالت وعلامات الغضب تعتلي وجهها : ما هكذا ينبغي ان تبحث عن مراسلتك واكملت انت تعرف كيف تبحث عنها فلماذا تريد ان تقرأ كل المراسلات الاخرى ؟ وكانت تقصد مراسلات الاقسام الاخرى وهنا غضبت جدا وقلت لها هذه الطريقة كلها خطأ وانا قلت ذلك مرارا انتم تجبروننا على ان نقرأ مراسلات الاخرين لا تضعوا كل المراسلات في مكان واحد . واكملت على العموم انا اعتذر ولكنني كنت ابحث عن المراسلة التي طلبها السيد رئيس الدائرة حتى اكملها لانه استعجلني في اجراء التصحيحات المطلوبة من اجل ان يذهب بها الى السيد الوزير قبلت اعتذاري على مضض وغادرت غرفة السكرتير فضلا عن ان هذه الحادثة كانت درسا مهما لي في الوظيفة والتي اتحدث بها من دون خجل اليوم لكثير ممن عملوا معي منذ عشرين عاما وتزيد الا ان اللافت هنا ان الدكتورة عقيلة التي كانت بعض اجهزة الدولة لا تثق بها كانت على مستوى عال من التظاهر بالحفاظ على سرية العمل او قد تكون هذه هي حقيقتها .
في واحدة من اكثر اللحظات قلقا وتشويشا بعد لحظة سماعي دخول الجيش العراقي الى الكويت في الثاني من آب/ اغسطس من عام 1990 كانت لحظة تفجير برجي التجارة في نيويورك الرابط بين الحدثين انني رأيت كثيرا من الناس ممن حولي في الحدث الاول والثاني يبدون فرحتهم بينما كنت قلقا ومشوشا لا بد لي من ان اقول انني كنت قلقا الى درجة الخوف ولا انسى هنا ابدا انه وعندما حدث الغزو العراقي للكويت كنت جنديا بدرجة عريف احتياط كاتب في مركز تدريب مشاة فايدة ومن اهم اصدقائي ورفاقي في المركز كان الاخ المهندس الزراعي آزاد عبدالقادر وهو من اهالي محافظة دهوك في شمالنا الاغر الذي كان فرحا جدا تماشيا مع فرح الاعلام الظاهر فقلت له مؤنبا وهو يكبرني باكثر من عشرة اعوام لماذا انت فرحان اخي آزاد هل ترى في هذا الغزو خيرا قال طبعا فيه خير كثير قلت ما هو هذا الخير هلا اخبرتني به فقال وهو متبسم الوجه لن ينقذنا من العسكرية الابدية في العراق الا خطأ جسيم مثل هذا!!. نزل عليّ هذا الامر مثل الصاعقة فلم افكر انا بهذا الامر ابدا لانني وبسبب تفوقي في دراسة البكالوريوس كنت اعد الاسابيع لأعود الى مقاعد الدراسة في الماجستير وبذلك اودع العسكرية والى الابد فيما سيبقى الاخرون يعانون من وطأة طول مدة العسكرية التي قضى فيها البعض ما يزيد عن عقد من الزمان وكان درسا مهما اخر يقدمه لي صديقي آزاد مجانا إذ ان كل الاحداث العظيمة تغير الثابت من الاشياء وتكسر القيود وتفتح ابوابا وتغلق اخرى . استدعيت من ذاكرتي كل تلك الدروس لأرى ما يمكن ان يحدث في أمر عظيم مثل هذا الذي نواجهه اليوم واغلبنا فرح متشمت بالولايات المتحدة التي قتلت من الشعب العراقي بالحصار اكثر مما قتلته من الفيتناميين في حربها بفيتنام وكلنا لا يزال يتذكر تلك الإمرأة القبيحة التي تُدعى مادلين اولبرايت وهي تجيب على سؤال الصحفي : هل تستحق محاولة اقصاء النظام العراقي عن السلطة قتل خمسائة الف طفل عراقي فكان جوابها نعم تستحق !. في تلك اللحظة وبينما كانت الفضائيات تعج بالخبر وكنت في وزارة الخارجية اعمل بصمت في غرفتي استدعتني صياحا الدكتورة عقيلة الهاشمي محمود.. محمود.. تعال وانظر ماذا حدث هرولت الى غرفة رئيس الدائرة التي كانت تتواجد فيها وقلت ماذا حدث ؟ قالت هجموها على رؤوس الامريكان لقد تم تدمير برجي مانهاتن كيف ؟ سالتها قالت انظر وكانت فرحة فرحا شديدا لم ار في اية عقلانية ولا رشاد صارحت الدكتورة عقيلة وقلت لها انت تعلمين دكتورة ان اميركا والدوائر الدولية المعادية للعراق تتحدث منذ مدة عن الدول المارقة والتي وضعت العراق في اول هذه القائمة فمن يضمن عدم ربط العراق بهذه الحادثة ضحكت وقالت لا يستطيعون واكملت لقد تعرضت اميركا اليوم الى اكبر اهانة تلقتها في تاريخها كله وهذا نصر لنا ثم قالت باللهجة العراقية (هذه حوبة العراقيين) كتبت بعد ايام قليلة رؤيتي لما يمكن ان تؤول اليه الاحداث بعد تفجير البرجين ووجهته للسيد وزير الخارجية عن طريق رئيس الدائرة وطلبت من الدكتورة عقيلة لتقديمها الى رئيس الدائرة ولكنها وبعد ان قرأتها رفضت ايصالها الى رئيس الدائرة وقالت اذهب انت بها اليه وطبعا لم يكن صعبا ان افهم انها رفضت ايصالها لان الكثير مما جاء فيها لا ينطبق وموقفها الاولي من حادثة تفجير البرجين .
حصل الاحتلال وتفاجئنا بعد فترة من الاحتلال ان الدكتورة عقيلة قد تم تعيينها من قبل بول بريمر الحاكم المدني الممثل لسلطة الاحتلال عضوة في مجلس الحكم الى جانب ثلاث سيدات اخريات هن الدكتورة سلامة الخفاجي والدكتورة رجاء حبيب الخزاعي وصون غول جابوك استغرب الكثير من موظفي وزارة الخارجية على تعيين الدكتورة عقيلة في هذا الموقع المتوافق تماما مع الاحتلال واجهزته الاستخبارية لا سيما ان الدكتورة عقيلة هي الوحيدة من بين اعضاء وعضوات المجلس من كان له موقعا حكوميا قبل الاحتلال ونحن في عمق استغرابنا في الاسابيع الاولى للاحتلال تلقيت اتصالا هاتفيا من رقم يبدأ بـالكود 88+ وكنت اعمل في ممثلية العراق في الجامعة العربية بالقاهرة اجبت المكالمة فكانت الدكتورة عقيلة الهاشمي على الطرف الاخر سلمت عليّ سريعا وقالت انا يصلني كل ما تقوله في الممثلية عني يا دكتور محمود وكانت اللهجة تدلل على عتب بين الاصدقاء قلت لها انا لم اسيء اليك يا دكتورة عقيلة وانما تحدثت مرة او مرتين عن موضوع انضمامك غير المفهوم لمجلس الحكم الذي اساء لك ولإسمك وعائلتك قالت وماذا فعلت ؟ هل الافضل بنظرك ان اترك الامر الى اولئك الذين أتوا من خارج العراق لو تعلم ماذا يريد ان يفعل احمد الجلبي بالبعثيين في وزارة الخارجية لما عتبت عليّ هل تعلم يا محمود لولاي لكانوا اطاحوا بكم جميعا ؟ قلت من نحن ؟ قالت البعثيين قلت وانت لست منا ؟ قالت ولذلك اريد ان انقذ ما استطيع انقاذه من ابناء الخارجية ثم استطردت قائلة لقد دمرنا النظام السابق وهؤلاء جاؤوا ليكملوا التدمير وهنا عرفت انها تتحدث اليوم بلهجة المظلومية من النظام الوطني وليس بلهجة من كان جزءً حيويا من ادواته انهينا المكالمة بعد نقاش لم اره مفيدا بشأن ما قامت وتقوم به في مجلس الحكم سوى ما اخبرتني به على سبيل إلقاء الفضل وهو انها وقفت الى جانبي في المشكلة التي حصلت مع روز شاويس الذي زار القاهرة ضمن وفد لمجلس الحكم ترأسه ابراهيم الجعفري اول رئيس لمجلس الحكم والذي حضر للقاء رئيس الجمهورية والذي لم يحصل وبدلا منه استقبلهم مستشار رئيس الجمهورية وكان الوفد يتكون من عدد كبير من اعضاء مجلس الحكم وساقوم بالكتابة التفصيلية عن تلك الزيارة المهم في الموضوع ان السيد روز شاويس اعترض على وضعي لعلم العراق على صدري قائلا انه لا زال يضع علم صدام حسين على صدره فاجبته مباشرة هذا علم العراق وسابقى البسه هنا تدخل هوشيار زيباري الذي كان مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس الحكم ليوقف الجدال بطريقة دبلوماسية في نهاية المكالمة اخبرتني الدكتورة عقيلة الهاشمي انها ستأتي الى القاهرة لتراني قبل ان انفك الى وظيفتي الجديدة قائما باعمال سفارة العراق في كوالالمبور بماليزيا .
كانت مغادرتي الى كوالالمبور قد تحددت في العشرين من ايلول/ سبتمبر من عام 2003 ووصلت الى ماليزيا في اليوم التالي وهو الواحد والعشرين من ايلول/ سبتمبر وعند وصولي للمطار كان في استقبالي السكرتير الثاني صباح الكربولي الذي اصبح لاحقا مستشارا في البرلمان العراقي واخبرني ان الدكتورة عقيلة الهاشمي تم اغتيالها يوم امس ولا نعلم كما قال اذا ما كانت قد ماتت او لا لان الاخبار متضاربة حاولت في اليوم التالي ان اتصل بتلفونها الذي اتصلت بي من خلاله قبل اسبوعين فرد علي شخص عرّف عن نفسه قائلا انه اخوها وقال لي ان الوضع الصحي للدكتورة عقيلة مستقر وانها استقبلت الزوار الذين جاؤوا للاطمئنان على صحتها وقد ارسل لي احد الاخوان لاحقا صورة توضح ان الدكتورة عقيلة في وضعية الجلوس على سريرها في المستشفى مما يدلل فعلا ان حالتها كانت مستقرة الى ان سمعنا بعد ثلاثة ايام انها توفيت متأثرة باصابتها التي اكدت اكثر من جهة في وقتها ان الرصاصات المستخدمة في عملية الاغتيال كانت مسمومة وهو ذات السلاح الذي استخدمته القوات الامريكية وكذلك فرق الاغتيالات التي شكلها احمد الجلبي والتي كانت تستخدم السلاح الامريكي تحدث الكثير من زملائنا في وقتها وقبل اغتيالها بان علاقة الدكتورة عقيلة الهاشمي كانت سيئة جدا مع احمد الجلبي وان الاخير كان معارضا لوجودها في مجلس الحكم مما يرجح مقتلها على ايادي فرق الاغتيالات التي شكلها احمد الجلبي وليس على يد المقاومة العراقية التي القت عليها كل الاطراف المرتبطة بالامريكان مسؤولية مقتل الدكتورة عقيلة الهاشمي . ظل موضوع اغتيالها مبهما حتى وصول وفد مجلس الحكم الى كوالالمبور للمشاركة في الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الاسلامي الذي عُقد في بتراجايا العاصمة الادارية في ماليزيا للمدة 16-17/تشرين الاول/ اكتوبر من العام 2003 اي بعد اقل من شهر من اغتيال الدكتورة عقيلة الهاشمي كان من ضمن الوفد الذي ترأسه الدكتور اياد علاوي عضوا في مجلس الحكم اسمه "عزالدين سليم" واسمه الحقيقي "عبدالزهرة عثمان" كما هو كشفه لي في وقتها كان عبدالزهرة عثمان او عز الدين سليم ممثلا لحزب الدعوة الاسلامية/ البصرة وقال لي في معرض ما كنّا نتحدث به عن البعثيين في الدولة ومؤسساتها ان الدكتورة عقيلة الهاشمي تخلصوا منها داخليا كما سيتخلصون مني استغربت هذا الكلام منه لكنه قال وهو تحت وطأة المرض الذي هاجمه فجأة وهو في بتراجايا مما اضطرنا لنقله الى المستشفى ان المجموعة التي اتفقت مع الامريكان لا تريد شركاء في الحكم وان اغلب اعضاء مجلس الحكم كانوا يعتبرون الدكتورة عقيلة الهاشمي شريكا بعثيا في مجلس الحكم فقلت له انا عندي معلومات ان احمد الجلبي هو من قتل عقيلة الهاشمي ابتسم وقال ليس فقط عقيلة الهاشمي سألته هل كلكم في مجلس الحكم تعرفون هذه الحقائق اجابني لا يوجد احد لا يعرف وختم قائلا انا لم اشأ ان اجلب عائلتي الى بغداد لانني اعرف انهم سيعيدونني جثة هامدة لعائلتي في البصرة لتدفنني هناك واضاف لقد اخبرت زوجتي بذلك وهي تعرف كل التفاصيل وسانشر لاحقا الكثير مما جرى في ذلك الاجتماع في كوالالمبور الذي فيه الكثير من اسرار العلاقة بين الاحزاب الاسلامية وبعضها وبين الاحزاب الاسلامية والولايات المتحدة التي جمعت شتاتهم لتستخدمهم في تدمير العراق قُتل عزالدين سليم هو الآخر بتاريخ 17 مايس/ مايو من عام 2004 بعد اقل من عشرة اشهر من اغتيال محمد باقر الحكيم الذي رشحه لعضوية مجلس الحكم وبعد اقل من تسعة اشهر من تاريخ توقعه لقتله ولقد شابت عملية مقتله الكثير من الشكوك التي لم يفتح طلاسمها احد الى اليوم واهمها انه قُتل عند مدخل المنطقة الخضراء وعلى بعد امتار من قوة الحماية الامريكية التي اجبرت موكبه على التوقف من اجل التفتيش على الرغم من انه وحمايته يحملون كل الوثائق التي تسمح لهم الدخول الى المنطقة الخضراء ومن دون تأخير كما يحدث مع باقي اعضاء مجلس الحكم .
ماتت الدكتورة عقيلة الهاشمي ولكن لم تُدفن معها الحقيقة التي يعرفها كل المقربين انا شخصيا لا اظن ابدا ان الدكتورة عقيلة كانت تتجسس للامريكان قبل عام 2003 خلال عملها في مكتب وزير الخارجية او خلال عملها في دائرة المنظمات ولا اريد ان ابرئ فعلتها وقبولها او ربما سعيها لتكون عضوة في مجلس الحكم ففي ذلك من الخزي ما يوازي تهمة التجسس وقد تزيد ولكنني اجزم ان شخصيتها القلقة الميالة الى الشعور بالمظلومية والتي تدفعها الى انتهاز اية فرصة تتاح لها من اجل تحقيق احلامها ورغبتها في ان تثبت كفاءتها لرؤسائها في العمل هي التي دفعهتا لارتكاب الكثير من الاخطاء الكبيرة ولا سيما اخرها في تواجدها في مجلس اسسته سلطة الاحتلال الامريكي للعراق واخيرا لا يساورني شك بان من قام بقتلها هو احمد الجلبي وفرقة الاغتيالات التي شكلها قبل الاحتلال الامريكي للعراق .
إرسال تعليق