د. ضرغام الدباغ
مراسم تقديم أوراق الاعتماد من السفير الذي قبلت سفارته، إلى ملك/ رئيس البلاد، هي الافتتاح الرسمي للعلاقات الدبلوماسية بين دولتين، وبالتأكيد يحرص السفراء إبداء أعلى آيات اللطف والتهذيب ، لتكون بداية حسنة مشجعة للعلاقات. ومن جانبهم الملوك والرؤساء، يستقبلون هذا اللطف والتهذيب الذي يظهره السفير الذي يرافقه خلال مراسم تقديمه لأوراق اعتماده، الشخصيات المهمة من طاقم السفارة من الدبلوماسيين والملحقين
وشخصياً سمعت من عدد من الدبلوماسيين الممتازين، ذكريات طريفة، منها حالة نادرة أن يقدم سفير أوراق اعتماده 3 مرات لنفس الرئيس، لم أسمع حادثة مماثلة لها، تلك التي صادف حدوثها لسفير الجمهورية العربية السورية، د. صلاح الدين الطرزي ، وهو دبلوماسي رفيع المستوى اختارته وزارة الخارجية ليمثل بلاده في جمهورية الصين الشعبية، وبعد فترة قصيرة من اعتماده في بكين، تمت الوحدة الاندماجية الكاملة بين مصر وسورية في دولة واحدة، وأصبح للبلدان سفارة واحدة، أختير الدكتور الطرزي أن يكون سفيرا للجمهورية العربية المتحدة في بكين، فقدم أوراق اعتماده مرة ثانية للرئيس ماوتستونغ عن الجمهورية العربية المتحدة، وبعد سنوات قليلة حدث الانفصال المشؤوم، فانفصلت الدولتان، وأعيد فتح سفارة الجمهورية العربية السورية في بكين، وبقاء الدكتور الطرزي سفيرا فيها، فقدم اوراق اعتماده للمرة الثالثة للرئيس ماوتسيتونغ, كانت تلك حادثة نادرة للسفير د. الطرزي المخضرم، وللرئيس ماوتسي تونغ على حد السواء، والطرزي بالإضافة لتخصصه في القانون الدولي (أهله فيما بعد ليكون عضوا في محكمة العدل الدولية / بروكسل) فهو يجيد لغات عدة، ومثقف ثقافة عميقة، تجعله أهلاً لمحادثة الزعماء التاريخيين، ويسمع منهم ما لا تذكره أوراق الكتب والصحائف، فحدثني د. الطرزي عن علاقته الوثيقة بالزعيم الصيني ، الذي أقترح عليه مرة أن يخرجا في عطلة نهاية الأسبوع ، بنزهة معاً، أراد منها الزعيم الصيني أن يروي للسفير الطرزي ذكريات شبابه وصباه، في مسقط رأسه، وكانت أسرة الزعيم الشيوعي من الاقطاعيين الأثرياء، ولهم في المنطقة الخاصة بهم، قصر كبير أشبه بالحصن أو القلعة. لا شك أن يخص زعيم تاريخي كماوتسيتونغ، سفيراً أجنبياً/ سورياً ، بذكريات وأحداث شخصية، دلالة على عميق احترامه لبلاده ولشخص السفير، فروى للسفير تفاصيل القصر، وأهم أحداثه ، وحين خرجا لبوابة القصر، كان هناك نهير صغير(جدول) وجسر صيني الطراز التقليدي، قال الزعيم ماو: أن والده كان قد عنفه بسبب أفكاره الماركسية وانضمامه للحلقات الثورية خلال دراسته في الجامعة، وأن ذلك من شأنه أن يهدد مكانة الاسرة الاقتصادي ونفوذه الاجتماعي/ السياسي، وقال له والده، أنه إن واصل هذه الأنشطة، فعليه أن يغادر الاسرة ويختار لنفسه مكاناً آخر. يقول القائد ماو أنه فكر بمقترح والده، والخيارات البديلة المتاحة، ولكن شيء كان أكيداً، أنه سوف لن يترك العمل الثوري، ومهما كانت الخيارات الأخرى، فإنها أهون من أن يهجر العمل الثوري، فيقول حين خرجت من القصر، وقفت هنا في منتصف هذا الجسر الصغير / الكبير في معناه، ونظرت للقصر / الحصن، فقررت أن التحق بالصين لا بعائلتي. صلة لطيفة ملؤها الاحترام المتبادل بيني وبين السفير الطرزي، كان يحرص على لقائي كلما قصدت البلد الذي كان يعمل فيه. فنلتقي بأحترام متبادل وفي كل زيارة أستفيد منه كثيراً . للأسف توفي د. الطرزي بحادث سير مؤسف في السبعينات.
رباط السالفة :

إرسال تعليق