إيران بعد موجة الإعدامات… نظام يقتل خوفًا من السقوط

مشاهدات



عبدالرزاق الزرزور 

محامي وناشط سياسي سوري


لم يعد الموت في إيران حدثًا استثنائيًا. فالإعدامات لم تعد وسيلة قانونٍ ولا إجراءً قضائيًا، بل تحوّلت إلى سياسة دولة، وإلى لغةٍ يعتمدها نظام ولاية الفقيه للتعبير عن رعبه من الغد. في كلّ يوم تقريبًا، يعلّق النظام مشانق جديدة في السجون، وكأنها طقوس يومية لإثبات البقاء. غير أن الحقيقة المرة هي أن النظام يقتل لأنه يخاف ، لا لأنه يملك القوة.


من أداة ردع إلى أداة بقاء

منذ مطلع عام 2025، شهدت إيران ارتفاعًا غير مسبوق في عدد الإعدامات، حتى تجاوز الرقم ألف حالة موثقة خلال تسعة أشهر، وفق تقارير الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية. واللافت أنّ معظم الضحايا ليسوا مجرمين عاديين، بل سجناء رأي ومعتقلين سياسيين، كثير منهم متهمون بالانتماء إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية أو بالتعاطف مع الانتفاضات الشعبية . بهذا، تحوّلت المشانق إلى خطّ دفاعٍ أخير لنظامٍ مأزوم، يرى في كلّ معارضٍ مشروع ثورة، وفي كلّ صوتٍ حرّ خطرًا وجوديًا. النظام الذي بدأ عهده بمجزرة عام 1988 حين أعدم أكثر من ثلاثين ألف سجينٍ سياسي، ما زال يسير على النهج ذاته بعد سبعة وثلاثين عامًا. الفارق الوحيد أنّ العالم اليوم يرى ويسمع، وأنّ أصوات الضحايا لم تعد تُدفن مع أجسادهم.


الخوف من الانتفاضة

كلّما ارتفع عدد الإعدامات، ازداد الحديث في طهران عن الخوف من الانتفاضة المقبلة. فالنظام الذي واجه في السنوات الماضية أكثر من عشر موجات احتجاج واسعة، يدرك أنّ أيّ شرارة جديدة قد تتحوّل إلى نارٍ لا يمكن إخمادها . لذلك، يسعى إلى بثّ الرعب المسبق داخل المجتمع عبر إعدام الناشطين والشباب، ظنًا منه أنّ الخوف سيمنع الانفجار. لكنّ الوقائع على الأرض تُظهر العكس تمامًا. فكلّ عملية إعدام تُشعل الغضب أكثر، وتحوّل الضحايا إلى  رموز . في مدن مثل شيراز وكازرون وأصفهان، لم تعد التظاهرات ترفع شعاراتٍ مطلبية، بل شعاراتٍ سياسية صريحة :

 «الموت للديكتاتور» و*

«الإيراني يموت ولا يقبل الذل»*.


حتى داخل السجون نفسها، يواجه النظام مقاومة رمزية غير مسبوقة . فالسجناء السياسيون أطلقوا حملة «ثلاثاء لا للإعدام»، يصومون فيها كلّ أسبوع تضامنًا مع من ينتظرون حبال الموت. إنها ثورة صامتة خلف الجدران، لكنّ صداها يهزّ ضمير العالم.


عزلة خارجية وقلق داخلي

على الصعيد الدولي، لم تعد طهران قادرة على تسويق روايتها القديمة حول “العدالة الثورية”. فقد أدانت برلمانات أوروبا وكندا والولايات المتحدة موجة الإعدامات، وطالبت بفرض عقوباتٍ مباشرة على المرشد علي خامنئي وكبار قادة الحرس الثوري. في لندن، وجّهت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، رسالةً إلى مؤتمرٍ دولي بعنوان “أوقفوا الإعدامات في إيران”، قالت فيها:


«لقد أراد الملالي أن يرسموا مصيرنا بالمشانق، لكننا انتفضنا لنكتب مصيرًا جديدًا يضمن الحرية. إن سقوط هذا النظام سيكون انتصارًا لحقوق الإنسان في العالم كله».


هذا الخطاب لا يعبّر فقط عن موقفٍ سياسي، بل عن تحوّلٍ تاريخي في الوعي الجمعي الإيراني. فبينما يحاول النظام أن يثبت وجوده بالعنف، تزداد المقاومة تنظيماً واتساعاً، وتتحول من حركة معارضة إلى مشروعٍ سياسيّ متكامل يقدّم بديلاً ديمقراطياً ومدنياً.


النظام في فخّ الخوف

الخوف هو الكلمة المفتاح لفهم سلوك النظام في هذه المرحلة. فالإعدامات ليست سوى انعكاسٍ لقلقٍ داخليّ عميق من انهيارٍ يراه الجميع قادماً. تتراجع شرعية الحكم إلى أدنى مستوياتها، وتتآكل القاعدة الاجتماعية التي كان النظام يعتمد عليها، فيما تتسع الهوّة بين الأجيال الشابة التي تبحث عن الحرية، والسلطة التي لا تعرف سوى القمع. ومع تفاقم الأزمات المعيشية - من التضخّم إلى البطالة وانهيار الخدمات  لم يعد الخوف من المشانق كافياً لوقف الغضب الشعبي .


نهاية ثقافة الموت

إنّ استمرار الإعدامات بهذا الشكل الوحشي ليس سوى إعلان عن نهاية مرحلةٍ تاريخية. فالنظام الذي حكم بالدماء يواجه اليوم مجتمعاً لم يعد يخاف الموت، ومقاومةً ترى في التضحية طريقًا إلى الحياة.  وتماماً كما قال أحد السجناء السياسيين في رسالةٍ سرّية خرجت من زنزانته : 

«يظنون أن المشانق تقتلنا، لكنها تقتل خوفهم منا».


إيران اليوم ليست كما كانت قبل عام . فكلّ مشنقةٍ جديدة تُسرّع في سقوط النظام، لا في إطالة عمره. وفي أفقٍ يزداد إشراقًا رغم الظلام، يلوح شعار المقاومة واضحًا:


«لا للإعدام… نعم للحياة، نعم لإيران حرة».


تعليقات

أحدث أقدم