د. شاكر حسين
شهدت السنين الاخيرة عمليات تغيير سكاني واضحة في عدة اقطار عربية في مقدمتها العراق وسوريا ولبنان والسودان . كما شهدت هذه الايام تصعيد في عمليات استيلاء ميليشياوية لاراضي المواطنين في عدد من المدن العربية ومنها على سبيل المثال بغداد ومحيطها ، وفي الموصل، وسامراء وغيرها من مناطق العراق، وقد حدثت مقاومة من قبل المواطنين العُزّل نساءاً ورجالاً دفاعا عن ارضهم وارض ابائهم واجدادهم . وكل ذلك امتداداً لما شهدته السنين التي تلت احتلال العراق سنة 2003 م من انواع الاستيلاء على الاراضي والتهجير القسري للسكان وتسهيل استيطان الاجانب وغيرها . وكل ذلك لاحداث تغيير سكاني مريب شهده العراق وسوريا ولبنان والسودان وكل مناطق النفوذ والهيمنة الايرانية في شرق الوطن العربي من جهة، ومناطق السودان وشمال افريقيا منه من جهة اخرى . واذا ما تفحصنا اهداف ما يسمى " مشروع الشرق الاوسط الجديد" والذي هو في جوهره تحقيق " اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات" ، سنجد ان المشروع لتقسيم المقسَّم لا يمكن ان يتم دون احداث التغيير الديموغرافي في الوطن العربي وذلك لتفتيت المجتمع العربي خدمة للتفتيت السياسي اللاحق واحلاله محل الدول القائمة . ونظرا لصعوبة تغطية كل المناطق التي شملها ذلك في الوطن العربي في مقال واحد ، لذا سناخذ ما حدث في العراق على سبيل المثال .
ان السمات الديموغرافية للسكان تشمل عادة : الكثافة السكانية، العرقية، مستوى التعليم، الصحة السكانية، الوضع الاقتصادي، الانتماءات الدينية، وجوانب سكانية أخرى. ففي 2016 قُدر عدد سكان العراق 37,202,572، حيث كان معظم السكان من العرب (75-80%)، يليهم الأكراد (15-20%)، وآخرون (5%)، 0.6% - 3% من العراقيين مسيحيين (انخفض من 6% في 2003)، 3% يزيديين، 2% شبك . وفي 1 نوفمبر 2018، نشر الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، إحصائية جديدة لعدد السكان في العراق لعام 2018، مبينة في بيان له إن "عدد سكان العراق بلغ 38 مليونا و124 ألفا و182 نسمة حسب الإسقاطات السكانية لعام 2018"، وذكر أن "محافظة بغداد شكلت أعلى المحافظات في عدد السكان حيث بلغ عدد سكانها 8 ملايين و126 ألفا و755 نسمة وبنسبة مقدارها 21 بالمائة من مجموع سكان المحافظات". وأشار الجهاز إلى أن محافظة نينوى احتلت المرتبة الثانية بعد بغداد من حيث عدد السكان وبنسبة سكانية تبلغ 10% من مجموع سكان المحافظات، تليها محافظة البصرة بنسبة 8%، فيما احتلت محافظة المثنى ترتيب الأقل عددا بالسكان حيث بلغ عدد سكانها 814 ألفا و371 نسمة وبنسبة 2%". والعرب هم غالبية سكان العراق، وتبلغ نسبتهم حوالي ال 75% - 80% من السكان. والأكراد يشكلون حوالي 12% إلى 18% من نسبة السكان . يتركزون في المناطق الشمالية الشرقية حيث يشكلون الأغلبية للسكان في محافظات السليمانية وأربيل ودهوك مع تواجد للمسيحيين والتركمان وللعرب في بعض المناطق في هذه المحافظات الثلاثة. كما ان الأكراد يتواجدون بأقلية أيضاً في محافظات نينوى وديالى وبغداد . ويدين اغلبية الاكراد بالاسلام اضافة الى وجود الاكراد الذين يدينون بالديانة الايزيدية المنتشرين في دهوك ونينوى في مناطق شيخان وسنجار وسيميل، والاكراد على ديانة الكاكائية المنتشرين في قرى كركوك والموصل وكردستان . ويعيش التركمان في الشريط التركماني للمنطقة الفاصلة بين العرب والأكراد في مدن جلولاء والسعدية وكفري وسليمان بيك والطوز وينكجة كركوك وداقوق وتلعفر في محافظات كركوك وديالى ونينوى وبغداد، حيث يشكل التركمان اقلية عرقية . ويتوزع مسيحيو العراق على عدة كنائس وطوائف وأعراق وتعتبر منطقة سهل نينوى شمال العراق منطقة تمركز الوجود المسيحي حيث تتواجد قراهم الرئيسية مثل القوش وتلكيف وعنكاوة وشقلاوة وعقرة وسرسنك وبغديدا وغيرها. في حين أن التمركز الأكثر عددا لمسيحيي العراق هو في بغداد. كما يتواجد المسيحيون في مدن الجنوب فأكبر تواجد مسيحي جنوب العراق هو في البصرة وتوجد أقلية مسيحية في مدن العمارة والحلة. وأما الأرمن فتواجدهم يتمركز في المدن الرئيسية مثل بغداد والبصرة والموصل وغيرها من المدن . ويتمركز الشبك بعشرات القرى في محافظة نينوى ويعود ظهورهم لأوائل العهد العثماني. وأشارت الوثائق العثمانية إليهم كجماعة مستقلة منذ القرن السادس عشر الميلادي. وورد ذكرهم في دائرة المعارف البريطانية والإسلامية. ويعتبر البعض ان الشبك هم جماعة قومية منفصلة عن الأكراد ولهم خصوصيتهم القومية والدينية. واليزيديين مجموعة أثنية - دينية أختلف المؤرخون في أصلها تتمركز في منطقة بعشيقة وسنجار والشيخان ومناطق اخرى من محافظة نينوى، يتحدث قسم من اليزيديين اللغة الكردية وقسم اخر يتحدث اللغة العربية، أزياؤهم الرجالية عربية أما أزياؤهم النسائية فسريانية. كتبهم الدينية القديمة جميعها باللغة السريانية.
وطيلة الفترة التي سبقت الاحتلال الامريكي الايراني للعاراق سنة 2003 اتسمت العلاقة المجتمعية والسياسية والثقافية بين الاديان والطوائف المختلفة بانها ايجابية ومتسامحة وتسودها الاواصر القوية على كافة المستويات، حيث ثارت مثلاً العشائر السنية والعشائر الشيعية على الإنكليز، في ثورة سنة 1920. إضافة الى علاقة التناسب بين عشائر الطائفتين سواءً في العهد الملكي أو عهود الجمهوريات التي تلت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 . وتعمق ذلك بعد ثورة 17 تموز 1968 حيث تسنم حزب البعث العربي الإشتراكي السلطة في البلاد، فكانت العديد من قيادات الحزب العليا والمسؤوليات الكبرى في الدولة يشغلها عراقيون من كافة الاديان والطوائف والاعراق التي في العراق دون أن تكون هناك أية تفرقة. ونكاد أن نقول أن لا أحد كان يجرؤ التحدث بكلمة "الطائفية" لأن طبيعة المجتمع تحرم ذلك، كما ان قوانين الدولة كانت صارمة في هذا المجال وهكذا كان العراق مشهودا له بوحدة مجتمعه الوطنية وتماسكها. وأثناء الحرب العراقية الإيرانية، كان الشعور الوطني والقومي بانتماء العراق الى امته العربية هو السائد بين كل ابناء العراق، حيث قاتلوا ضد الإيرانيين ومشروعهم التوسعي الصفوي في ما يسمى " تصدير الثورة "، من منطلق الشعور الوطني والدفاع عن الوطن العربي، لا المذهب او العرق.
بعد الاحتلال الامريكي الايراني سنة 2003
بعد الاحتلال الامريكي الايراني للعراق اصبح من الصعب جداً معرفة التوزع العرقي والطائفي الحالي فيه ، بسبب ظروف الحرب والفوضى الأمنية والهجرة المكثفة. فقد خرج الكثير من العرب ومن المسيحيين إلى خارج العراق . وهناك البعض من أصول إيرانية قد عادوا، كما أن هناك تقارير تشير إلى أن هناك عشرات الآلاف من الإيرانيين قد دخلوا إلى العراق خلال الشهور الأولى من عام 2004 وتم تجنيسهم بالجنسية العراقية ، خصوصا بعد حرق كافة أوراق السجل المدني بالعراق" أي حتى عام 2006. اذ أن إحراق السجلات المدنية عقب دخول القوات الأميركية للعراق جعل مسألة الإحصائيات غير ممكنة. وأصبح عدد السكان المسيحيين أقل من 0.6% في 2017 حيث انخفضت عن 6% في 2003 انخفاض بمقدار النصف من 1.8 مليون إلى 900000 أو يصل إلى 1.2 مليون في 2013، بسبب التهجير قسراً . وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 وتغلغل إيران فيه قامت الميليشيات وبدعم إيراني مباشر، بممارسة أبشع الجرائم لغرض تغيير تركيبة السكان، من خلال التضييق الأمني والتهجير القسري والملاحقة وكيل التهم الكيدية والخطف والاغتيال وغيرها. وعملت إيران على دعم الميليشيات المقربة منها، بغية تنفيذ جرائمها هذه لغرض التغيير الديموغرافي، لاسيما في البصرة والموصل وديالى وصلاح الدين وحزام بغداد. وكل ذلك تنفيذاً لمشروع الاحتلال الأمريكي للعراق الذي يستهدف أصلا تغيير تركيبة السكان وإحداث نزاع طائفي بغية تفتت أواصر المجتمع العراقي وإفشاء الطائفية والنزاع بينها. حيث تم تقسيم البلاد قومياً الى عرب وأكراد وتركمان وكلدوآشوريين وشبك وأزيديين. وطائفياً الى سنة وشيعة ومسيحيين . وكل ذلك لتأجيج النزاعات القومية والطائفية والهدف الحقيقي هو اقحام تقسيم مُفتَعَل لتفتيت المجتمع خدمة لما يسمى "بمشروع الشرق الاوسط الجديد " الذي هو في جوهره مشروع انشاء " اسرائيل الكبرى " . وتنفِّذ قوى معينة هذا الامر في السودان اليوم ، كما تنفذه إيران من الناحية العملية في شرق الوطن العربي حيث بدأت بممارسة تغيير ديموغرافي واسع النطاق في سوريا والعراق من خلال أذرعها الميليشياوية . فعلى على سبيل المثال في العراق نبين فيما يأتي ما حدث في بعض المحافظات والمدن :
أولاً- محافظة البصرة
لعب الاحتلال دوراً مهما في جرائم التهجير والتغيير الديموغرافي، حيث أن القوات البريطانية هي التي كانت تحتل مدينة البصرة وكان لها الدور اللوجستي البارز في دعم المليشيات التي تمارس التهجير ضد السكان وفي أفضل أحوالها تغض الطرف عن ممارستهم أو تكتفي بالتفرج عليهم.
ثانياً - حزام بغداد
عانت مناطق حزام بغداد ولا تزال من ويلات جرائم التهجير لغرض التغيير الديموغرافي، حيث يتعرض سكان المدينة للتضييق الأمني والابتزاز والملاحقة والاعتقالات والعمليات العسكرية، لغرض إجبارهم على ترك مناطقهم. أن سكان مناطق حزام جنوب بغداد خليط من عشائر عربية وأهم هذه العشائر هي عشيرة الجنابيين وعشائر الجبور والدليم وبني تميم وخزاعة وبني خالد وبني سعد وعشائر أخرى، وتتوزع هذه العشائر في قضاء المحمودية والمدن والقرى التابعة لها مثل ناحية اللطيفية واليوسفية وناحية الرشيد. وإن منطقة حزام بغداد شمالا وجنوبا عانت من عملية اضطهاد وتهجير ممنهجة بدأت بعد الاحتلال الأمريكي ووصول القوى والأحزاب التابعة لايران إلى سدة الحكم، وقد استخدمت كافة الوسائل لتهجير السكان فيها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مثل الاعتقال والضغط الأمني والتهم الكيدية والابتزاز. ففي شهر أيلول/ سبتمبر فقط من سنة 2013 مثلاً هجرت مائة عائلة من ناحية اللطيفية لوحدها بسبب التمييز الطائفي، أما منطقة جرف الصخر فقد هجر السكان فيها على بكرة أبيهم وبطريقة مباشرة من قبل الميليشيات، وهو ما يعكس مدى الوحشية التي تعرض لها السكان لغرض تغيير تركيبهم.
ثالثاً – صلاح الدين
أما محافظة صلاح الدين، فأن مناطق عديدة في هذه المحافظة هي الأخرى عانى سكانها من جرائم سنة 2006 في مدينة سامراء بالذات وهي المدينة الاكبر في المحافظة. وأتبعت القوات الأمنية والمليشيات اسلوب التهجير الناعم، داخل المحافظة بين الأقضية والنواحي التابعة لها، حيث أن أكثر من 1000 عائلة هجرت داخل المحافظة وأطرافها أضطرت للسكن في الهياكل والأبنية غير المكتملة، فخضع الأهالي الى الميليشيات المسيطرة عليها، لغرض إجبار السكان على النزوح وترك مناطقهم مما يؤثر على تركيبة السكان. وشهدت المحافظة بعد تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء نزوح كثيف من الإسحاقي مثلا إلى قضاء الدور أو من قضاء بلد إلى مدينة سامراء. ومن أفعال تغيير تركيبة السكان فيها، إستقدام العوائل من المحافظات الاخرى او الاجانب الذين يتم تجنيسهم بالجنسية العراقية واحلالهم محل السكان الاصليين . بالإضافة إلى منع نشر أي خبر في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي عن المعاملة غير الإنسانية التي يواجهها السكان الاصليين من قبل المليشيات ومنع دخول القنوات الفضائية إلى المدينة إلا القنوات التابعة للاحتلال المؤيدة لمشروع التغيير الديموغرافي القائم، وغلق جميع المحال التجارية القريبة من الضريحين في المدينة القديمة لسامراء ومحاربتهم في أرزاقهم ليضطروا إلى ترك محلاتهم أو بيعها بثمن بخس لهم . ولم تقوم السلطات المتعاقبة باي اجراء لمنع جريمة التغيير الديموغرافي التي يتعرض لها السكان في عموم البلاد، بسبب نفوذ الميليشيات المتزايد والرغبة الإيرانية في التلاعب بأصول الشعب وممتلكاته وتركيبته الديموغرافية. ويتم التلاعب بالمستندات والمعاملات التي من المفترض أن تضمن حقوق وممتلكات سكان تلك المناطق الأصليين حيث ازداد تعقيد ملف التغيير الديموغرافي من خلال التلاعب بهذه المستندات. كما أن معظم سكان مناطق حزام بغداد والمحافظات القريبة منها يُمنع أهلها النازحون من العودة إليها وتصل عددها إلى حوالي 300 قرية ، كما كانت الأقليات العراقية، على اختلاف أطيافها، الأكثر استهدافا في عمليات التغيير الديمغرافي القسري . فاضطُر المسيحيون واليزيديون والصابئة إلى نزوح واسع النطاق بعد نيسان 2003، بسبب استهدافهم المباشر كأقليات دينية او إثنية أو كليهما، أو كنتيجة لاستخدامهم أوراقا في إطار الصراع الأكبر بين الجماعات العرقية الرئيسية. ولا يمكن المعرفة بشكل دقيق حجم هذا النزوح الذي شمل مناطق واسعة، من البصرة ،العمارة ، بغداد ، الموصل، بسبب عدم وجود إحصاءات موثوقة والاستخدام السياسي لهذه الأرقام، لكن النتيجة النهائية أن هذا النزوح وما نتج عنه من تغيرات اجتماعية وديمغرافية وجغرافية يستهدف احداث تصدعات في بنية المجتمع العراقي التاريخية . وإذا كان السبب الآيديولوجي للجماعات المسلحة عاملا رئيسيا في تبرير هذا الاستهداف، فإن العوامل السياسية، والصراع القائم على الأرض بوصفه جزءا من الصراع على السلطة والثروة في عراق ما بعد الإحتلال لم تكن غائبة عن هذه الانتهاكات. وكانت الحرب الاهلية التي تم افتعالها عقب الاستهداف الاجرامي المريب والمشبوه لمرقد الإمامين العسكريين في شباط 2006، وتركزت في بغداد بشكل كبير، لها دور كبير في إحداث تغيير ديمغرافي داخل المحافظة، إلا أن ذلك لا يعني أن إنتهاكات التغيير الديمغرافي القسرية لم تكن قائمة قبل ذلك! فقد دخلت مدينة سامراء ايضا بقوة في الصراع المفتوح للتغيير الديمغرافي للسكان، وبمحاولات منهجية لفرض هوية أحادية الطائفة قسرياً، من خلال السيطرة على المدينة القديمة، عبر استملاكها من قبل غرباء عنها بحجة توسيع صحن مرقد الإمامين، رغم وقوعهما في مدينة ينتمي معظم أهلها إلى نسب الإمامين أصلا! ثم تحول الأمر إلى هيمنة عسكرية مطلقة، عندما مُنحت إحدى الميليشيات المسلحة، السلطة المطلقة على المدينة بحجة الحرب على داعش، واستمرار ذلك حتى بعد مرور سنوات على نهاية تلك الحرب، حيث يبدو ان ثمة قرارا اتخذه الفاعل السياسي لنظام الولي الفقيه الفارسي، الذي يحتكر القرار في السلطة ، بإبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، وهو وضع أقرب إلى احتلال للمدينة.
رابعاً - قضاء المدائن
شهدت منطقة المدائن وامتدادها وصولا إلى مناطق شرق القناة عمليات تغيير ديمغرافي قسري ذات طابع طائفي قبل ذلك التاريخ، الذي رافقه خطاب سياسي حول «هوية بغداد» انتقل إلى نص دستور الاحتلال، وتحديدا في المادة (10) الخاصة بالعتبات المقدسة والمراقد الدينية في البلاد. كما كانت مناطق الكرخ التي تنفتح على حزام بغداد تواجه إقامة خطوط تماس مضادة، ومناطق الدورة والغزالية والعامرية التي تنفتح على مناطق هور رجب وأبو غريب شهدت أيضاً عمليات تغيير ديمغرافي قسري. أما بعد حادثة سامراء 2006 فإن سياسات التغيير الديمغرافي القسري ، أخذت بعدا استراتيجيا واضحا، حيث المحاولات الواضحة، منذ اللحظة الأولى، لخلق مناطق صافية "طائفيا" وبشكل منهجي . ولم يكن للسلطة في حينها أي دور في وقف هذه العمليات والدفاع عن العراقيين، بل إن الشواهد تؤكد تواطؤ هذه السلطة، عبر التهديدات المباشرة التي تطال سكانها، وتدفعهم الى النزوح القسري خشية الاعتقال العشوائي أو القتل ، وبلغ عدد النازحين والمهاجرين عن المحافظة ما بين 12 % إلى 15 % من سكانها على أقل تقدير. وبرغم من تراجع حدة العنف في مرحلة لاحقة، إلا أن الأمر الوقائع المفروض على المناطق وخطوط التماس ظلت قائمة على الأرض! وبعد انتهاء تداعيات أحداث سامراء، لم تتوقف إجراءات التغيير الديموغرافي القسري للسكان .
خامساً - محافظة ديالى
شهدت المحافظة بداية من منتصف سنة 2013 عمليات منهجية للتهجير القسري ، في سياق صراع تعكسه الخطابات السياسية للمتصارعين، و كانت السلطة طرفا في هذا التغيير الديمغرافي القسري عبر دعمها، او تواطؤها مع أحد طرفي الصراع لأسباب اما طائفية او اثنية بحتة! واستُغلت الحرب على داعش لإعادة ترتيب أوضاع بعض المناطق، بالتغيير الديمغرافي القسري، سواء فيما سميت المناطق المتنازع عليها، أو في مناطق غيرها وكانت الخطوة الأولى المطلوبة في هذا الاتجاه منع النازحين من هذه المناطق من العودة اليها! ومن المعلوم إن مظاهر التغيير الديمغرافي القسري، الصريحة والضمنية، لا يمكن لها أن تؤدي الى استقرار حقيقي في البلاد، حتى وإن أنتجت هدوءاً مؤقتاً وهشاً وخادعاً. إلا أنها ستبقى مقدمة أساسية في انتاج التطرف والعنف.
المنظمات الدولية تقف متفرِّجة
ورغم أن العراق طرف في المعاهدات الخاصة بمبادىء القانون الدولي الإنساني إلا أن هذه الإنتهاكات لهذه القوانين بتواطؤ السلطة وسكوت المجتمع الدولي ، رغم أن لمنظمة الامم المتحدة مراقب في العراق من خلال (يونامي) إلا أن السلطة والميليشيات والجهات التي تنفذ بل وترتكب هذه الجرائم بعيدة عن المساءلة القانونية وأمنت العقاب فظلت تتمادى في إرتكاب جرائمها بشكل مدعوم علنا او ضمنيا، إلا أن الجرائم لا تسقط بالتقادم مهما تعامل المجتمع الدولي مع القضية العراقية تنفيذا لمؤامرات دولية اجرامية او مخططات مشبوهة والمصالح الأنانية المجردة من الإنسانية وإحترام حقوق الإنسان .
التغيير الديموغرافي في الوطن العربي والمخططات العالمية المشبوهة .
ان اي تنفيذ لتلك المخططات العالمية المشبوهة لتفتيت الامة العربية سوف يعتمد على اثارة النعرات الدينية او الطائفية او العرقية او الجهوية، وحسب طبيعة المنطقة والقطر العربي المُستَهدَف. لان في هذه الاثارة يتم افتعال اسس لهويات مجتمعية اصغر وبما ييسر عملية التقسيم والتفتيت السياسي اللاحق . لذا فان وعي ابناء الامة العربية لهذه المخططات، واستنهاض دور النخب والقيادات السياسية والثقافية والمجتمعية العربية في خلق مثل هذا الوعي وضمان ادامته لاستمرار التماسك المجتمعي الوطني والقومي، له اكبر الاثر والدور الفاعل في افشال تلك المؤامرات المعادية.
إرسال تعليق