لبنان في زمن الجبهات الموحدة والمفتوحة

مشاهدات



سناء الجاك
كاتبة وصحافية لبنانية


استرجع لبنان ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بأحداث ولغة ومصطلحات تؤشر إلى صخب تلك المرحلة .. فقد عاد جنوبه منصة غير لبنانية لإطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل . وعدنا نسمع أخبارا متعلقة بتحذير السلطات اللبنانية من "خطورة التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة لا سيما القرى الواقعة في الجنوب اللبناني" وتأكيد حرص هذه السلطات على "العمل لسحب فتيل الفتنة والدعوة إلى تهدئة النفوس" وتحميل إسرائيل "مسؤولية تداعيات أيّ تصعيد من شأنه أن يفجر الأوضاع والتمسك بسياسة ضبط النفس" وإدانة الضربات الإسرائيلية والانتهاك الصارخ لسيادة لبنان والخرق الفاضح لقرار مجلس الامن الدولي 1701 وتهديد السلم والأمن الدوليين" ورفض السلطات اللبنانية "استعمال أراضي لبنان كمنصة لزعزعة الاستقرار القائم مع احتفاظها بحقها المشروع بالدفاع عن النفس وأعادت التأكيد على أن إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الأمم المتحدة وقوات اليونيفيل". 

 

وكل هذه المصطلحات المستعادة لدولة متهالكة رفدتها تأكيدات على أن "من قام بإطلاق الصواريخ ليست جهات منظمة بل عناصر غير لبنانية وأن الأمر كان عبارة عن رد فعل على العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة". لكن ما حصل لا تقتصر مفاعيله على الشأن الداخلي اللبناني ففي حين عمد المحور الإسرائيلي إلى فتح الجبهات في الداخل ضد الفلسطينيين وباتجاه سورية ولبنان سارع المحور الإيراني إلى الإعلان عن توحيد الجبهات . وبالطبع دب الحماس في شرايين أصحاب الحنين إلى مراحل النضال والجهاد من المحيط إلى الخليج . ودمجوا محطات ما قبل وما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. ورفعوا سقوف التهديد والوعيد، وبدأ التبشير بالنصر الآتي . في المقابل استيقظت هواجس "أحفاد الفينيقيين" الخائفين على الكيان اللبناني مذكرين أنهم دفعوا غاليا فاتورة القضية الفلسطينية ولم يخرجوا منها إلا بعد حرب أهلية دمرت الصيغة اللبنانية ولم يتم ترميمها حتى بعد اتفاق الوفاق الوطني في الطائف الذي أوقف هذه الحرب وحرمهم امتيازاتهم ولم يلغ تفاعلات الصراع الحاضرة لتنفجر عند كل منعطف ومع أي إشكال أو تطور داخلي او خارجي . لكن البعد الداخلي لعملية إطلاق الصواريخ  يبقى محدودا وصالحا فقط للاستهلاك المحلي ما يدِّل على أن خطاب القرن الماضي بفعل سياسات منظمة التحرير الفلسطينية واستراتيجيتها تغيرت قواعده بما يتماشى والتطورات الإقليمية والدولية .

 

والأهم في الرسائل الصاروخية التي أدت إلى فتح الجبهات أو توحيدها أنها تلي عملية خلط أوراق شكلت انعطافا في مسار التحالفات وانقلابا لموازين القوى رأسا على عقب في العالم بأسره بين شرق وغرب .. والرسائل الصاروخية التي انطلقت على أكثر من جبهة ومن دون أي هدف سوى تسجيل النقاط ومن ثم التربص والانتظار حتى يأتي أوان الجولة المقبلة لها دلالات تتجاوز شعار "من المحيط إلى الخليج" وربما تمتد "من أوكرانيا إلى الصين".. وربما أبعد . ولعله من المبكر استنتاج الخلاصات من مسألتي توحيد الجبهات وفتح الجبهات لكن يبقى واضحا لا أحد من المحورين يريد إنهاء الآخر .. هذه هي الحدود المطلوبة .. ما يتجاوزها ليس من متطلبات المرحلة . قد يصح العكس.. فالخدمات المتبادلة على أجنحة الرسائل الصاروخية تخدم المحورين معا .. وتبث في شرايينهما قوة تعطيهما الذرائع اللازمة للاستمرارية من خلال شعارات "الدفاع عن النفس" أو "إزالة الاحتلال ورفع المظلومية التاريخية". وفي هذا الطرح ما يضع الدولة اللبنانية المتهالكة في مرحلة استنزاف جديدة ويعلقها على قائمة انتظار ويأس بعدما كانت الحيوية قد بدأت تدب خافتة في مفاصل الأمل مع الاتفاق السعودي/الإيراني لتعود أسيرة الجبهات والمحاور ساحة مستباحة لمنصات الرسائل الصاروخية .

 

المصدر : وكالات

تعليقات

أحدث أقدم