التأرجح بين نفط ودولار

مشاهدات

 


سناء الجاك
كاتبة وصحافية لبنانية

 

بدأت تخبو نار الانقلاب القضائي الذي أطاح بقضية جريمة تفجير مرفأ بيروت . فما مضى قد مضى وصار من التاريخ وتحديدا بعد إطلاق سراح جميع الموقوفين على ذمة التحقيق . والمفارقة أن المدعي العام التمييزي الذي بادر إلى هذه الخطوة غير مطلِّع على الملف .. لكنه طمأن إلى أن ما فعله جنب اللبنانيين "حمام  دم  في الشارع". وبحجة حمايتهم من الفتنة يجب أن يدخل هذا التحقيق إلى سراديب التشويه والتسطيح والنسيان حيث دخلت التحقيقات السابقة. فالتهويل بالأمن من الثوابت لدى المسؤولين المرتكبين والطامحين إما لطمس الحقائق عبر مقايضة الأمن بالعدالة أو لتعويم وجودهم وتثبيته بتقديم الخدمات للجهات المنتفعة، أو للضغط على "حلفائهم" في المنظومة لتحسين شروطهم من خلال الابتزاز . ولا عجب ذلك أن مثل هذه المفارقات أصبحت من اليوميات اللبنانية في الحياة السياسية والاقتصادية والقضائية .. وبوتيرة متسارعة تقطع الأنفاس أزمة تطوي سابقتها وتمهد للاحقتها.. روتين القهر والذل مستمر حتى إشعارٍ آخر . وجديد هذا الروتين لا يختلف عن القديم .. سعر صرف الدولار الذي يتقلب وسع عشرة آلاف ليرة لبنانية خلال ساعات ويخرب البيوت يعطي النموذج ..

 

وكله ماشي.. لكن إلى أين ؟؟
لا لزوم للسؤال وبالأخص من قبل الشعب الذي فكر يوما أن يسأل ويحتج وينتفض، فزلزلت الأرض تحت أقدامه ولا تزال حياته تحت وطأة الهزات المتلاحقة . المطلوب اليوم أن يهدأ هذا الشعب ويستكين وينتظر. والأهم، عليه أن يؤمن بأن قائد الأوركسترا المتحكم بمصير البلاد والعباد يعرف جيدا ماذا يفعل.. ومتى يفعل . وغدا لناظره قريب.. ففي هذا الغد نفط سيصار إلى استخراجه. الاتفاقيات أبرمت في احتفالية تنتمي إلى مدار السراي الحكومي، ولا علاقة لها بما كان يحصل قرب قصر عدل بيروت، حيث كان يتم الاعتداء على نواب يسألون وزير العدل التدخل لمنع شرذمة القضاء وتهشيمه. أجواء الاحتفالية هي الحقيقة الوحيدة التي علينا أن نعوِّل عليها، وتحديدا لأن مشهديتها تعكس موقف المجتمع الدولي حيال كل ما يجري في لبنان، فهي اقترنت بالمباركات الفرنسية والأميركية لهذه الخطوة، مع التلويح بأنها ستنهي الانهيار المالي الحاصل . بالطبع لا لزوم للتوقف عند صمت أصحاب المباركات حيال ما انتاب تحقيق المرفأ من مرض عضال يمهِّد لإعلان وفاته الفعلية بعد موته السريري . 

 

وهذا الصمت جعل من الغباء تجاهل تقاطع مصالح الداخل والخارج في ترسيم الخطوط التفصيلية للسيناريوات اللازمة، سواء بما يتعلق بجريمة القرن التي شبهت بقنبلة هيروشيما الذرية، ومنذ حصولها، مع السعي الفرنسي لتعويم الطبقة السياسية في اجتماعات عقدها الرئيس إيمانويل ماكرون في بيروت، او بما يتعلق بصفقة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية ومباركة فرنسية ورضا إيراني عبر موافقة "حزب الله". ووفق تقاطع المصالح هذا، ستتوضح معالم خريطة طريق لتعيين رئيس للجمهورية في مسرحية احتفالية لانتخابات شكلية أخرى، بموجب ما سيفرزه اجتماع باريس بعد أيام.. حيث التركيز الدولي على العرس وليس العريس . ولا يخجل أصحاب المصالح المتقاطعة بتعاونهم المكشوف بغية إبرام صفقات تتضمن تنفيذ أجندة تحفظ حقوق الحاكمين بأمرهم بين الداخل والخارج. ولشدّة وقاحتهم لا يبالون . ولمَ المبالاة ما دامت نتائج جهودهم تُؤتي الثمار المرجوة منها . كل ما يلزم هو تسليم اللبنانيين بهذا الواقع، وهو إلى حد ما بات متوفرا، بحيث انتفت الحاجة إلى الفعل المباشر العنيف لفرض سيناريوهات أصحاب المصالح.. يكفي التلويح بها بالتزامن مع تشديد الخناق، بحيث تقتصر الخيارات على التأرجح بهدوء بين وعود النفط وكوابيس الدولار..



انتبهوا وأطيعوا وتذكروا : ممنوع الإزعاج .. 


المصدر : عربي-sky-news

تعليقات

أحدث أقدم