كيف نواجه الكوزمو بوليتك

مشاهدات


 د . ضرغام الدباغ 

 

في مطلع الثمانينيات . عرضت القناة الثالثة في تلفزيون ألمانيا الاتحادية وضمن البرنامج الثقافي (أيرنا) ندوة مهمة كان يديرها ويحضرها عدد من العلماء الألمان من اختصاصات شتى ينتمون إلى جامعات ومعاهد ومؤسسات علمية مختلفة . وموضوع الندوة الذي كان البحث يدور حوله هو (حماية الثقافة واللغة الألمانية) واستطراداً عناوين ومفردات أخرى مهمة في الحياة الاجتماعية الألمانية عن تسلل ثقافات أجنبية . فقدم العلماء الألمان معطيات دقيقة مدعمة بالإحصائيات تعبر عن حجم هذا التسلل الذي أعتبر في وقته كبيراَ . وخلاصة ما دار في هذه الندوة الهامة أن اللغة والثقافة الألمانية تواجه خطراً لا يستهان به في المستقبل القريب والبعيد . وبعد عقد من السنوات أو أكثر يقول رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية في كلمة له أمام مؤتمر البرلمانيين الدولي : " إن على شعوب العالم أن تأخذ حذرها مما يسمى بالثقافة العالمية التي تدمر الهوية القومية والثقافية للشعوب". وبعد ذلك اتخذت الدولة الفرنسية قراراً بمنع استخدام ألفاظ أجنبية في اللغة الفرنسية منها كلمات بسيطة وشائعة .

 

ويحق لنا هنا أن نتساءل ونتأمل . إذا كان شعباً كالألمان أو الفرنسيين ذوو المنجزات الثقافية والاقتصادية والحضارية عامة من جهة وقربهم من ثقافة وحضارة الثقافات المتسللة إليهم من جهة أخرى يطلقون نداء التحذير ويتخذون الإجراءات المضادة فما هي إذن المخاطر التي تتعرض لها أمم وشعوب هي في الواقع شبه عزلاء لهجمة شرسة عاتية لا تبقي ولا تذر..؟ وإذا كانت الثقافة العربية تمتلك دروعاً ومعدات وحصوناً منيعة ترى ماذا يمتلك شعب بوركينافاسو مثلاً كي لا يفقد آخر ما يمتلك من مقومات الهوية الوطنية والقومية..؟ وهو لا يمتلك أساساً الكثير منها بسبب تعرضه لقرون طويلة ولا يزال للاستعباد وعمليات صيد وقنص للبشر ونقلوا إلى قارات أخرى واستخدموا كعبيد هناك أو تجنيدهم في الحروب والغزوات الاستعمارية لضم وإلحاق بلداناً أخرى إلى ممتلكات الدول الاستعمارية.


ولابد لنا بادئ ذي بدء أن نؤكد على حقيقة مهمة . هي أن النظام الرأسمالي لا يهتم كثيراً بالثقافة بوصفها نشاطاً أو موقفاً إنسانياً رفيعاً يسمو فوق نزعات النهب والاستعباد وما هو إلا نشاط ترفيهي يهدف إلى التسلية وفي هذا المجال يكتب المفكر الأمريكي جون نيف الأستاذ بجامعة هارفارد قائلاً : " منذ ظهور الصور المتحركة والمجلات والراديو والتلفزيون في النصف الأول من القرن العشرين شاعت فكرة مؤداها أن مستوى النجاح مرهون بعدد القراء والمشاهدين وهكذا أزداد توجه وسائل الإعلام إلى تلبية طلبات ذوي المستويات الثقافية المتدنية الأفق بحجة أن هذه هي الوسيلة الأنسب لزيادة الأرباح . وهكذا أبتدع أصحاب الصحف ورؤساء تحريرها أناساً يتصفون بالفراغ الفكري والابتذال واللامسؤلية والشهوة ". 

 

وقد غدت هذه التوجهات في أعلى مراحل تطور نظام الدولة الرأسمالية الاحتكارية خطوة على طريق دمج شعبها وشعوب أخرى ضمن نسيجها الاقتصادي والسياسي بالدرجة الأولى وتكريس هذا الواقع من خلال قطع الأواصر التي تعبر عن كيانها وشخصيتها المستقلة واحتقار تقاليد وعادات الشعوب الأخرى وثقافتها وموروثاتها . والهدف النهائي هو : استنزاف قدراتها الاقتصادية وقوة العمل البشرية فيها وأخيراً جعل هذه الشعوب والبلدان توابع ثقافية وسياسية ولكن بالدرجة الأساس جعلها وسطاً اقتصادياً تابعاً لا يمتلك أي طاقة روحية للنهوض وإسناد دور نهائي لها في تقسيم العمل العالمي يتمثل بتصنيع المكونات الثانوية أو الإمداد بالمواد الخام أو ميداناً لنشاطات الشركات المتعددة الجنسية وهذا الأمر لم يعد مقتصراً على منطقة واحدة بل أنه موجه إلى أقطار العالم كافة لاسيما البلدان النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وفي هذا المجال يكتب الأستاذ البرازيلي كاردوز قائلاً : " هناك تبعية تنجم بالنتيجة وهي تبعية متعددة الأوجه سياسية واجتماعية وثقافية وعسكرية بل أن عمليات التشكل الطبقي والفئوي تتأثر بالتبعية بشكل بالغ ".

 

والحق فأن مثل هذه الفعاليات ليست جديدة تماماً في سياسة الدول الإمبريالية فالشركات المتعددة الجنسية مثلاً وأساليب تغلغل رأس المال الاحتكاري معروفة منذ عقود غير قليلة وكذلك فاعلية التأثير الثقافي الذي مارسته الدول الاستعمارية منذ فترة طويلة حتى في فترات ما قبل الحرب العالمية الأولى وما بعدها حيث انتشرت المؤسسات التعليمية الأجنبية حتى على مستوى الجامعات والمراكز والمعاهد الثقافية والإصدارات من الصحف والمجلات بل وتأسيسها لدور النشر في مراكز عديدة من العالم منها أقطارنا العربية وهذه المساعي مشخصة بدقة في العديد من البلدان النامية وفي هذا المجال يكتب المفكر والمناضل الفرنسي / المارتنيكي فرانز فانون عام 1961 أن الاستعمار يهدف في جملة ما يستهدفه . نسف المقومات الثقافية القومية للشعوب المستعمرة قائلاً : " أن الاستعمار لا يكتفي بتكبيل الشعب ولا يكتفي بأن يفرغ عقل المستعمر من كل شكل ومضمون بل هو يتجه أيضاً إلى ماضي الشعب المضطهد فيحاول بنوع من فجور المنطق أن يهده وأن يشوهه وأن يبيده . إن هذه المحاولة التي يحاولها الاستعمار إذ يجرد فيها تأريخ البلدان المستعمرة السابق على الاستعمار من كل قيمة إنما تتخذ اليوم دلالاتها". 


وإذ لا يمكننا تجاهل الدور الثقافي والعلمي التنويري الذي مارسته هذه المؤسسات الأجنبية . لابد لنا من ذكر حقيقة موضوعية أنها لم تكن تفعل ذلك هبة منها لوجه الله بل كان ذلك ضمن مخطط له صفحاته التفصيلية وبصفة خاصة تسابق الفرنسيون والأمريكان والإنكليز والإيطاليون فتنافست هذه الأطراف فيما بينها بدا في بعض مراحله تناحرياً من أجل إحراز النفوذ الثقافي وليس أدل على ذلك حجم الأنشطة والفعاليات الثقافية التي كانت تتنازعها تيارات الثقافة الأنكلوسكسونية والفرانكفونية بل وفي مرحلة ما بين الحربين العالميتين حيث كانت إيطاليا تسعى لتكريس نفسها كقوة عالمية والهيمنة على البحر الأبيض المتوسط وجعله بحيرة (رومانية) استخدمت بدورها المدفعية الثقافية ففي العام 1937 سجل تصاعد مثير للدهشة رقم المدارس الإيطالية في مصر إلى 64 مدرسة تضم أكثر من 10 آلاف طالب مقابل 39 مدرسة بريطانية تضم 5 آلاف طالب! 

 

وجدير بالذكر والإشارة أن هذه الأطراف الاستعمارية والإمبريالية أدركت أن أحد مكامن قوة الأمة العربية هي في لغتها فسعت دون هوادة إلى إضعاف أسس هذه اللغة وذلك بمحاولات إبدال الحروف العربية باللاتينية كمقدمة لتحجيم تطورها وإضعافها وتلاشيها على المدى البعيد فحاولت ذلك في مصر ولبنان وإلى فرض اللغة الأجنبية على عرب شمال أفريقيا وبلاد الشام وإحلال الثقافة الفرنسية فيها والإنكليزية في مصر والسودان والأردن وقد بذلت مجهودات كبيرة في هذا الاتجاه إذ سجلت نجاحا محدوداً تمثل بخلق نخب مشوهة ولكنها في الإجمال باءت بالفشل الذريع.


ومن جملة مساعي الدوائر الثقافية الاستعمارية كانت ولا تزال تهدف إليه إحلال اللهجات المحلية بدلاً من الفصحى وكذلك في محاولاتها لإبراز خصائص معينة في ثقافة كلا قطر وتقديمها بشكل يطغي على الخصائص الموحدة للثقافة العربية وفي مقدمة ذلك اللغة العربية الفصحى فسعت إلى الفينيقية في لبنان وإلى القبطية في مصر واستغلت في مساعيها المحمومة والخبيثة كل مكامن الضعف والثغرات أو سعت بنفسها إلى خلقها وأحياء المتلاشي منها واستنهاض الضعيف فيها واستخدمت لهذه الغاية عناصر مرتدة . ارتضت للأسف التعاون مع الأجنبي لأسباب شتى وربما أعتقد قسماً من هؤلاء(تحت ضغوط شتى) أن اعتناق ثقافة أجنبية هي ثقافة قوى عظمى ستمنحه قيمة مضافة.

 

واليوم إذ تشتد أوار الحملة الإمبريالية بكافة صفحاتها على بلادنا العربية ليست الجبهة الثقافية إلا صفحة منها ربما الأكثر بروزاً بسبب تعاظم شأن الثقافة العربية والمجتمعات العربية وذلك أمر لا نخفي سرورنا منه ففي مطلع القرن العشرين كان الجانب الثقافي يأتي بعد الجانب السياسي والاقتصادي لعدم خطورة المستوى الثقافي العربي آنذاك وكان التناقض الرئيسي الذي يلهب قضايا النضال الوطني والقومي هو الاحتلال المباشر بقبعته ذات الريشة الحمراء يختال في شوارع مدننا كما كان النضال ضد الوجود العسكري والقواعد الأجنبية والكفاح لاستعادة ما استولى عليه الأجنبي من مصادر الثروة القومية كان شعار التحرر الوطني والقومي في المرحلة اللاحقة والعامل الثقافي كان خلف هذه الأوليات ولربما أيضاً بسبب ضعف الوعي الثقافي أو بسبب تعطش الجماهير إلى الثقافة بغض النظر عن مصدرها فقد بدت براقة وجذابة وكان مستوى تخلف المجتمعات العربية موجعاً لذلك ارتضت الجماهير السم المداف في عسل الكلام

 

وعلى الرغم من بدائية من بدائية التنظيم والوسائل والتنسيق كان رد فعل الجماهير قوياً غريزياً وعفوياً في كثير من الأحيان فقد أخفقت كل تلك المساعي على ضخامتها من جهة وضعف جبهتنا السياسية والثقافية من جهة أخرى وهزمت شر هزيمة ومن المؤكد أن لذلك أسبابه . ففي دراسة عميقة لحجم الفعاليات الاستعمارية في مؤلف هام صادر عن جامعة لايبزج بألمانيا عـام 1972 (6) يشير إلى سعة الهجمة الاستعمارية وضخامتها مع غياب مواجهة حقيقية بينها وبين الثقافة العربية التي كانت قد نهضت لتوها في مطلع القرن العشرين من سبات عميق أستغرق قرون طويلة منذ سقوط بغداد عام 1258  وفي غياب حكومات أو ممثلين للإرادة العربية تصيب الدهشة كل من يطلع على تلك التفاصيل إذ كيف استطاعت هذه الأمة الصمود وإلحاق الهزيمة بتلك القوى المتفوقة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وهي على هذا النحو من الضعف والتشتت ..؟ 

 

ليس هناك من إجابة منطقية سوى أن الجذر الثقافي لهذه الأمة بالغ العمق وثقتها بنفسها هائلة وعلى درجة كبيرة من الثراء الروحي والنفسي يمنحها كل ذلك قدرة غير محدودة على امتصاص زخم الهجوم والتسلل الدخيل في مطاولة أصابت بالعجز اعتي الإمبراطوريات والغزاة على مر التاريخ والعصور.


والهجوم الجديد الذي تواجهه الثقافة العربية والمتمثل بالعولمة Globallisatioin ليس الأول من نوعه وأغلب الظن سوف لن يكون الأخير طالما تعيش على وجه الأرض حضارات وثقافات متعددة وهو في الواقع مواصلة لعمليات تأثر وتسلل واقتحام وغزو ودس اختلفت فيه الأساليب والهدف واحد من الهيلينية Hellenism إلى الغنوصية إلى الإسرائيليات إلى الشعوبية إلى الفرانكفونية والانكلوسكسونية وعصر الاستعمار وما انطوى عليه من تحديات ثقافية هذه المواجهات لم تتوقف قط ربما اختلفت الأساليب والأشكال وربما هناك تفاوت في قوة وزخم الهجوم إلا أنها لم تكف ولم يتغير الهدف الرئيسي فيها ألا وهو جعل أقطارنا وثقفتنا جزء من نسيجها الاقتصادي أولا ثم السياسي والثقافي وتدمير الملامح الرئيسية لهويتنا تسهيلاً لأهدافها الشاملة.

 

وفي الواقع فأن الثقافة العربية قد ازدادت قوة وثراء من خلال مواجهاتها لهذه التيارات فقد تفاعلت الهيلينية مع الثقافة العربية ويبدو ذلك بوضوح في أشكال العمارة والأثاث وفي النظم وبالمقابل تلقت الهيلينية تأثيرات الثقافة العربية بل أنها تحمل ملامح شرقية وعربية كما استفادت الثقافة العربية من الثقافة المسيحية والغنوصية التي اعتبرت نفسها وريثة الثقافة اليونانية وبالتالي مدارسها الفلسفية والفكرية الشهيرة


والتيار الشعوبي الذي بدا قوياً عارماً في بعض مراحله أستفز أقلام المثقفين العرب لتفنيد أباطيلها ومزاعمها واعتبرت مساجلات الكتاب العرب في ردودهم على الشعوبية قطع أدبية وسياسية نادرة وقد استفادت من هذه المواجهات باتجاهين : فهي من جهة ازدادت خبرة وعمق وتجذرت في تربتها أكثر فأكثر ومن جهة أخرى استفادت من التعرف بدقة على منجزات تلك الحضارات فازدادت رؤيتها شمولية وأتساعه


وبهذا الصدد نذكر بأن هناك أجداث 60 مليون هندي من سكان أميركا الأصليين قتلوا في حملات إبادة منظمة على يد القادمين الجدد من أصل 80 مليون كما قتل 200 – 100 مليون أفريقي أسود . اختطفوا وتعرضوا لحملات صيد البشر من أوطانهم الأفريقية ونقلوا كعبيد إلى أمريكا ودفنوا في براري الغرب الأمريكي حيث استصلحوا الأراضي تحت سياط المستوطنين في عبودية جماعية .

 

نعم إن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت أمة كبيرة وقوية في عملية تاريخية فريدة من نوعها تجمع فيها سكانها بين مجرمين ومغامرين وشذاذ آفاق وباحثين عن فرص حياة جديدة استولوا فيها على أراضي تزخر بكل الثروات وأبادوا فيها شعوباً ولكن هل استطاعت الولايات المتحدة تقديم مثل وقيم أخلاقية..؟ 

 

وإذا كان التقدم والثراء لا يخدم الإنسان وكرامته وأخلاقه فماذا إذن..؟ وعلى هذا التساؤل يجيب البروفسور الأمريكي جون نيف قائلاً : " لقد أدى ذلك إلى تدهور في الذكاء الفطري والفطنة والذوق" وكذلك : " وهكذا عولج كل ما هو مخجل وأخفيت حقيقته حتى صار شيئاً محترما ً" و " وكانت النتيجة تغليف العقل وتجريده من إنسانيته بوسائل متعددة إلى أن أصبح غير قادر على أن يقدم سوى القليل من الخدمة للإيمان والإنسانية والإدراك المتكامل للسعادة التي كانت لوحدها قادرة على تخليص الناس من أسر الدعاية ". 


أخبرني مرة دبلوماسي أوربي كان قد عمل في سفارة بلاده في بروكسل (بلجيكا) واستطاع أن يتوصل بدقة أن أصل ثراء كل العائلات البلجيكية هي من حقب النهب الاستعماري في أفريقيا فأي حضارة يمكن أن يشيد على القتل والتهب والسرقة وهذا ما يفسر انحدار مجتمعات الدول الاستعمارية إلى مستويات مرعبة من الجريمة والإباحية والمخدرات والفساد السياسي والحكومي والأمراض الجنسية الفتاكة

 

نعم لقد كانت منجزات عصر النهضة Renaissance رائعة على صعيد العلوم وفتحاً إنسانياً كبيراً وكذلك الثورة الصناعية إلا أن البورجوازية الأوربية في الدول الصناعية المتقدمة اتجهت إلى قمع الطبقة العاملة في بلدانها أولاً ثم إلى سحق الشعوب من القارات الأخرى فخرج المشروع من إطاره وهدفه الإنساني الذي بشر به رواد عصر النهضة. 

 

فالمستعمر الأوربي مضى إلى قارات آسيا وأفريقيا والأمريكيتين وهو يحمل السلاح وليس شمعة ديوجين ويفرض نظاماً استعماريا ينهب ثرواتها الطبيعية وليجعلها أسواقاً لمنتجاته من جهة وليسلب من جهة أخرى تلك الشعوب مقومات وجودها من لغة وعادات وتقاليد صناعية بدائية وتطور كانوا قد أحرزوه ومكتسبات غير بسيطة في معظم الأحيان.


وبهذا المعنى فالاستعمار يعد مسئول تماماً عن سحق حضارات وثقافات كان يمكن لها أن تتطور تطوراً طبيعياً وفد فعل الاستعمار ذلك من أجل فرض أنماط ثقافية وحضارية لتخدم أهدافه بأساليب القمع والقسر فنجم عن ذلك اختلال في أطراف المسالة، فلا الشعوب تمكنت من تطوير حضارتها ولا المستعمر استطاع أن ينتقل بها إلى مستوى حضاري راق وتلك لم تكن من غاياته وجل ما تحقق هو مجتمعات شوهاء فقدت الكثير من أصولها وجذورها وألوانها وخير مثال على ذلك هي أفريقيا ثم أميركا.


وبطبيعة الحال فأن الهجمة الثقافية الحالية تتميز بملامح عديدة ينطوي البعض منها على ما هو جديد في أسلوبه وأدواته وابتداء لابد لنا من تشخيص أبرز الظواهر على مسرح العلاقات الدولية المعاصرة وتحليل الاتجاهات المختلفة وعناصر الموقف الموضوعية منها وأبرزها :  

 

أولاً : ظاهرة القطبية الأحادية : ويتمثل هذا العامل باستفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالدور القيادي في الحياة السياسية الدولية واستخدامها لأساليب التهديد والترغيب وللأمم المتحدة (كشرعية دولية) ومجلس الأمن لتحقيق أغراضها وأهدافها السياسية والاقتصادية وفرض أنماط اجتماعية وثقافية

 

ثانياً: ـ ظاهرة عولمة الاقتصاد : ويتمثل هذا العامل بتسارع وتائر حركة رأس المال المالي (المصرفي) وأتساع حركة الاستثمارات ليصبح العالم بأسره فعلاً سوقاً واحدة بقبضة الشركات المتعددة الجنسية في تعاظم متزايد لدورها.

 

ثالثاً : الإمبريالية في مرحلة جديدة : ويتمثل بدخول دولة الاحتكار الرأسمالي (الإمبريالية) في مرحلة جديدة ويتمثل داخلياً باشتداد التمركز المالي وذلك بميل رؤوس الأموال خوض غمار المشروعات الكبرى وقيام الاحتكارات العملاقة في فروع الإنتاج المهمة من جهة والإقحام المتزايد للأجيال الجديدة من التكنولوجيا المتمثلة بالحاسبات العملاقة والروبوتات والميكروالكتروتكنيك والتطور الهائل في وسائل الاتصالات والنقل وفي وسائل العلام المرئية والمسموعة والمقروئة.


أما العناصر الذاتية في الحياة السياسية والثقافية العربية فأبرزها

 

أولاً: ـ المستجدات في العلاقات الدولية : أثرت المواقف المستجدة على مسرح العلاقات الدولية على مفردات الموقف السياسي في الأقطار العربية فهيمنت الولايات المتحدة وإرادتها السياسية قادت إلى انهيارات (لا سيما في النصف الأول من عقد التسعينات) مع ملاحظة

 

آ ـ المساعي الفرنسية لبلورة موقف أوربي متميز يلتقي ولكنه قد يختلف أيضاً مع التوجهات

الأمريكية في تصورها لأزمات للشرق الأوسط .

ب ـ فشل الولايات المتحدة في طرح مشروعات سياسية وثقافية للشرق الأوسط بسبب المبالغة

في استعراض القوة وأتباع سياسة الكيل بمكيالين، وتجاهل إرادة وكبرياء أقطار المنطقة ومصالحها.


ثانياً: ـ مشكلات أمام الثقافة العربية : على الرغم من النداءات والمؤتمرات والاجتماعات ولقاءات اتحادات الكتاب والأدباء والصحفيين والمؤتمرات الفنية على تعدد اختصاصها ولقاءات المسؤولين عن الثقافة والإعلام والقنوات الفضائية والمهرجانات المسرحية والسينمائية والموسيقية فأن الثقافة العربية ما تزال تعاني الكثير من مشكلات ومعوقات الانتشار ومن سيف الرقابة وعدم رعاية المطبوع العلمي التخصصي وصعوبة انتقال المطبوعات بين الأقطار العربية وضعف الأجور والمكافئات للعلماء والكتاب . الخلافات السياسية بين الحكومات العربية وانعكاساتها . هيمنة أجهزة الرقابة على المطبوع العربي والأجنبي . نعم هناك الكثير من الظواهر الإيجابية ولكن ما زال هناك الكثير ما ينبغي التأكيد عليه وفي مقدمة ذلك رفع القيود عن الكتاب وانتشار المطبوع العربي سواء كان كتاباً أو صحيفة أو مجلة وكذلك المادة الثقافية . أفلام ورقوق سينمائية أو أعمال فنية وموسيقية

 

ثالثاً: ـ لهذه وغيرها شهدت الحياة السياسية العربية تخلخلاً وضعفاً أنعكس بشكل واضح على المستوى السياسي و الاقتصادي والثقافي فانتهكت كثير من المحرمات الثقافية واعتبرت مجرد وجهات نظر قابلة للطرح والمناقشة لا سيما تلك التي تتعلق بالتعامل مع العدو الصهيوني فكرياً وثقافيا تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان بالتعاون مع الولايات المتحدة في حين تمارس من جهتها التطرف التلمودي وسياسة القضم والهضم . وقد شهدت محاولات التطبيع الثقافي جولات ونزالات تعيد إلى الأذهان تلك المساجلات التي كان يقيمها رموز الثقافة العربية بوجه الشعوبية ودعاتها تلك التي أفادت الثقافة العربية وأكسبتها القوة فما أشبه الوقائع والنتائج المرتقبة  ..!

 

وبتقديرنا فأن الجانب الأخطر من الهجمة الإمبريالية على بلادنا يتمثل بالدرجة الأولى بالإخضاع السياسي وذلك ما يسلب القدرة على التطلع إلى المستقبل بحرية واستقلال أي قمع المشروع النهضوي العربي وفي مقدمة فقرات هذا المشروع :

 • تقليص حجم التبعية الاقتصادية: وفي تفاصيله الجانب الغذائي(الأمن الغذائي (

 • تقليص حجم التـخلف العلـمي: وفي تفاصيله التكنولوجي.

 • تقليـص التـبعية الاجتماعـية: وفي تفاصيله الحفاظ على شخصية مجتمعنا العربي الإسلامي.

 • تقليص التبـعية الثقافــــية: (الأمن الثقافي) وفي تفاصيله مفردات التطور الثقافي ـ الحضاري والسعي لرفع إسهام ثقافتنا العربية في الثقافة الإنسانية العالمية في إطار العمل المشترك مع الشعوب والأمم لأن يكون هذا العالم أكثر إنسانيا وأكثر رخاء وعدالة والكف عن اضطهاد الإنسان للإنسان والأمم الغنية القوية للأمم الأقل ثروة وقوة . عالم التعايش السلمي والتعامل القائم على التكافؤ . عالم يشعر فيه أي إنسان . إن أي تقدم علمي بسيط في أقصى بقعة في العالم ينتمي إليه مباشرة ولكنه يشعر بالمقابل أن أي صفعة يتلقاها أي إنسان ظلماً في العالم يوجعه ويدمي كبرياءه وكرامته.


تلكم هي بتقديرنا أبرز مهمات المثقف العربي المعاصر وسلاحه في ذلك الكلمة والريشة والأزميل والنوتة وكل عمل إبداعي.

 

والثقافة العربية إذ تواجه تحديات مختلفة عليها أن تشخص واجهات عملية التسلل وأن تفرق بدقة بين عملية تفاعل الحضارات وحتميات التطور وهو أمر لابد منه بل لا نريد الابتعاد عنه وبين تيارات تريد أن تفرغ الثقافة العربية من خصائصها وتحرمها من التطور الذاتي وعزلها عن تاريخها وإدخال عناصر جديدة غريبة عليها لتندغم في تيارات تصب في النهاية في طاحونة النظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي كمقدمة لجعل بلادنا وسائر البلدان النامية مجرد توابع تدور في فلكها وبهذا المعنى فأن تيار العولمة Globalization ليس سوى مرحلة جديدة من مراحل تصاعد النظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي . أنه مرحلة الإخضاع النهائي لشعوب الأرض لسلطان الرأسمالية الإمبريالية باعتبار أن التقدم التكنولوجي والثورة في وسائل الاتصال والمواصلات جعلت من العالم قرية كبيرة وبلغت فيها الرأسمالية مرحلة خيالية من تمركز رأس المال المالي.

 

وفي المرحلة الحالية تتميز فيها هيمنة الولايات المتحدة بوصفها متروبول الرأسمالية العالمية وتأبى أن تغادر هذا الموقع القيادي ولا تقبل المشاركة فيه تهدف إلى تعميم ضرب من الثقافة التي لا تلامس جوهر مشكلات الإنسان ثقافة سطحية تتعامل مع غرائز الإنسان وتشجع فيه روح التفوق والتسلط الفردي والنزوع المطلق نحو الثروة وإحراز النفوذ والهيمنة وإطلاق لنزعات الجنس الشاذة أن إنسان العصر الذي قدم منجزات كبيرة بفضل تراكم التجربة والعلم تضعه في قمقم مشكلاته الذاتية لتخلق منه إنساناً نرجسياً على استعداد لفعل أي شيئ حتى القتل الجماعي من أجل إشباع نزعاته . إنها نزعات وثقافة وتربية اجتماعية تهدف في النهاية إلى خلق الإنسان الكوزموبوليتي (الإنسان العالمي) Kosmopolit الذي لا جذور له ولا يؤمن بقضية أو وطن بل بالمصالح والأرباح المادية وأي غرابة في ذلك…؟ أليست البراغماتية Pragmatism وهي جوهر الفكر السياسي الفلسفي للرأسمالية التي لا تؤمن إلا بالنتائج بصرف النظر عن الأساليب وأخلاقياتها. والإنسان الكوزموبوليتي هو حيوان انتهازي منافق قد يتحول في أي لحظة إلى آلة شرسة مدمرة مكن أجل تحقيق مصالحه الذاتية وهذا هو سر انحطاط الحياة الاجتماعية في الغرب الرأسمالي لاسيما في الولايات المتحدة ونجد أصدائها الخافتة في بلادنا حيث تروج لها أجهزة الأعلام الغربية وصنائعهم وأدواتهم يمكن إيجازها بما يلي :

 

آ ـ محاولات لإفساد الوعي تقوم بها الحملة الإمبريالية ودفع الإنسان إلى زاوية مصالحه وهمومه الذاتية.

ب ـ عمل مدروس لإسقاط الالتزام بالشعارات العامة  .الوطن، الشعب، الدين، القومية، والشعارات ذات الطابع الاجتماعي.

ج ـ العمل على خلق أنماط حياة تضم مظاهر الانحلال والفساد.  


وتيار العولمة هو جزء من هذه المرحلة . إخضاع العالم للثقافة الرأسمالية وللمنطق الإمبريالي . ليس بقصد أن تنعم الإنسانية جمعاء بالمنجزات الحضارية والثقافية والعلمية بل أنه فكر شمولي يهدف وضع شعوب العالم في خدمة الرأسمالية فهو ليس مشروع خير بل هو يهدف إلى صهر ثقافات أمم أخرى وإلغاء مميزات كياناتها ولا يتميز هذا التيار بقدرة واسعة على التكيف والتلون وإمكانية الإصابة بالصدمة الثقافية ولهذا التيار أعوانه سواء من الحلفاء الطبقيين أو من المصابين بالصدمة وممن انهار أمام الترف الرأسمالي فاختار هذا المثقف أو ذاك الفنان أن يحل مشكلاته الذاتية(مالياً ودعائياً)وكأنه عندما أتجه صوب آفاق الفكر والثقافة والفن والإبداع إنما كان يبحث عن خلاصه الذاتي وليس نضالاً والتزاماً بقضية الفن والأدب والثقافة وهي خدمة الوطن والجماهير والالتزام بقضاياها. إن ضرباً كهذا من (المثقفين) قد تحولوا نهائياً إلى موظفي علاقات عامه ومروجي سلع وإعلانيين Propagandist مهما أسبغوا على أنفسهم الصفات وحاولوا الاختفاء والتخفي.

 

لن يخيف فوكوياما ولا هنتغتن أحداً وليست هذه دعوة للاسترخاء بقدر ما هو نداء إلى المثقفين العرب لأن يستلهموا من تاريخ أمتهم وتراثها وموروثاتها ويؤسسوا فوقها فاعلين متفاعلين مع الثقافة الإنسانية العالمية فنحن جزء من هذا العالم وتلك حقيقة مادية موضوعية وقد كنا مؤثرين فيه بدرجة كبيرة ولابد أن نتأثر فيه بدورنا ليس مطلوباً الانبهار أمام منجزات الغرب لدرجة فقدان الرشد كما ليس مقبولاً بذات الدرجة أقفال الأبواب والشبابيك فمن الواضح أننا مستهدفون وكياناتنا السياسية (المجزءة المشرذمة للأسف) وثرواتنا الطبيعية واقتصادياتنا الوطنية ووضع الألغام في مجتمعاتنا وأخيراً الجهاز على ثقافتنا القومية أو جعلها صدىً باهتا أو صورة سلبية للثقافة الرأسمالية الشوهاء وحيال الانبهار والمنبهرين لابد من وضع خطة مضادةً ولابد أن تكون هذه الخطة مرنة متفتحة لا تبدي التعصب كما لن يقودنا الغضب إلى ردود أفعال متشنجة أن إهانة رموزنا أو التقليل من احترامنا لن يدفعنا إلا إلى المزيد من التمسك بقيمنا الصالحة ولكننا سوف لن نخطو خطوة واحدة قائمة على الغضب أو تفتقر إلى النضج وأعلموا أيها المثقفون العرب أن هدف أعدائكم هو جركم إلى ردود الأفعال الغاضبة وأهملوا حفلة الشتائم والإهانات ولا تنساقوا وراء ردود الأفعال .

 

لابد للمثقفين العرب من أداء دورهم وهو الدور الذي يقوم على حراسة المنجزات الثقافية والحضارية وتطويرها من أجل أن تسهم ثقافتنا العربية في الحضارة العالمية وزيادة حصة هذا الإسهام . والمثقفون العرب مدعون إلى التفاعل فيما بينهم وإنضاج مواقف موحدة حيال التيارات التي تقف ورائها القوى المضادة لحركة التقدم العربية وصياغة برنامج يؤكد على

 

ـ الانفتاح على الحضارات والثقافات الأخرى والتفاعل معها بإرادتنا على أساس من المبادئ والأخلاقيات الإنسانية التي تمتاز بها الحضارة العربية الإسلامية من جهة وحماية أجيالنا من أوبئة تسللت إلى مجتمعاتنا التي تروج الإباحية والمخدرات والأمراض الجنسية والشذوذ ومظاهر الفساد الأخرى.  

 

ـ العلماء العرب مدعون اليوم كل في اختصاصه إلى إيجاد العلاقة بين المستوى الحالي للعلوم وبين ما توصل إليه العلماء العرب في عصور الازدهار أي تجسير الفجوة بين عصور الازدهار وما أعقبها من سبات بعد انحطاط الحضارة العربية وبين المرحلة الحالية لكي نتحرك على أرضية صلبة ونواصل البناء على أساس متين . لقد آن للجامعات والمعاهد العربية وقد بلغت مرحلة النضج في العمل والتعامل مع المنجزات الحديثة في العلوم وصياغة نظريات عمل عربية. أن كثير من الجامعات الأوربية تعتبر أعمال العلماء العرب هي الأساس في العلوم التي تطورت فيما بعد على أيديهم في مختلف المجالات العلمية والإنسانية

 

ـ الابتعاد عن التطرف والتعصب ومعاداة الثقافة الأجنبية لمجرد كونها أجنبية فذلك سيقودنا إلى العزلة فالأمم الأخرى قد تمكنت من تقديم منجزات رائعة أغنت الثقافة الإنسانية فكيف لنا أن نتجاهل أعمال فكرية وفلسفية فنية / أدبية موسيقية وسينمائية عدا التقدم الكبير في مجال العلوم الطبية والإنسانية.

 

ـ إبداء الاحترام التام لحقوق الأقليات الدينية والقومية المتواجدة في البلاد العربية وبهذا تحافظ الثقافة العربية على إحدى مميزاتها وهي ابتعادها عن الصيغ الشوفينية وتواصل الثقافة الإسلامية في منح الأمان والحرية الأقليات الدينية الداخلين في ذمة الرسول (ص) والخلفاء الراشدين والمسلمين عامة.

 

قلبنا أراء كثيرة كتبت حول الثقافة العربية والتحديات التي تواجهها : العولمة ـ الإنترنيت ـ القنوات الفضائية وللأسف لابد من القول أن معظمها أحادي الجانب أي أنه يركز على جانب واحد من المشكلة وعلى الأغلب بتهويل وفزع يقطع الأنفاس . ومن أجل بحث مجز لكافة جوانب المسألة لابد من البحث بدقة وتفصيل وبحث الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالدرجة الأولى . نعم نحن نواجه مشكلات من نوع جديد وبأساليب وطرق متفوقة وغير معهودة . ولكن لابد لنا بادئ ذي بدء ألا نضع أنفسنا في موقع معاد للتطور إذ من المؤكد أن كثير من هذه الأبعاد أو التحديات تحمل إمكانيات العمل في اتجاهين أو أكثر منها ما قد يفيدنا ولكن بالطبع مع وجود السلبيات والأضرار وكذلك الأخطار..! ولكن لماذا لا نفكر في الإفادة من الإنترنيت طالما أصبح حقيقة راهنه ! هذه الموسوعة الهائلة من المعلومات بسعر زهيد …!إن القنوات الفضائية ومحطات التلفزة الدولية تنطوي على الكثير من الأضرار في مجال تنشئة الأجيال الصاعدة والسموم السياسية ولكن ألا ينبغي أن يدفع ذلك مؤسساتنا الفنية . السينمائية والتلفازية والإذاعية وغيرها على الارتقاء بمستوى برامجهم والإكثار منها وأجراء تبادل نشيط للأعمال السينمائية والتلفازية بين الأقطار العربية خاصة وربما حتى الإسلامية…؟ وهناك الكثير من الاتفاقيات والمطلوب تنشيطها وتفعيلها.

 

وأعمال أو تعاون مشترك سيقودنا إلى مزيد من تشذيب اللهجات المحلية العربية اقتراباً من الفصحى بل أن هذه العملية قد تساهم حتى في تعزيز الوحدة الوطنية ضمن القطر العربي الواحد وما يجري ألان يدور بصورة عفوية أو لأسباب تجارية . يمكن أن تتحول إلى عملية منتظمة . ففي ألمانيا (وهي بلاد مشدودة قومياً) لهجات عديدة قد تنعدم إمكانية التفاهم بين لهجاتها ولكن اللهجات المحلية في طريقها إلى الانقراض بل هي متلاشية في أوساط المثقفين والإعلاميين والفنانين وقد حلت محلها الألمانية الفصحى.

 

إننا نبحث هذه المشكلات في إطار الحرص على ثقافتنا ومجتمعاتنا ولكن للأسف أن هناك في صفوفنا من هو معاد أصلاً للثقافة ولكل فروعها من فئات وعناصر رجعية تعيش في هذا القرن بأجسادها فيما تغفو رؤوسها في القرون الميلادية الأولى…! ولاشك أن وجود هذه العناصر إذا لعبت دوراً مؤثراً (ويبدو أنها تلعب مثل هذا الدور للأسف مرة أخرى) يزيد في الطين بلة والمشكلة تعقيداً. إذن فبين صفوفنا من يسهل التسلل عبر خطوط دفاعاتنا التي تعتمـد بالدرجة الأولى على رد الفعل الغريزي وعلى ثراء الأمة الروحي بدرجة كبيرة.


إن الإمبريالية لا تحاربنا بالعولمة (كأداة سياسية واقتصادية وثقافية) إنها قبل ذلك تمد خراطيمها في أجسادنا وتنهش ثرواتنا بفعالياتها الاقتصادية وتحاربنا بالطائرة والبارجة وحاملة الطائرات وبطائرة التجسس اليوتو .. وللإمبريالية بين صفوفنا كعرب وكمسلمين حلفاء وأصدقاء في السر والعلن ولابد أن يدركوا أن هذا الهجوم ليس مناورة بل هو في غاية الجدية وأنه سوف لن يوفر أحداً وهو ليس كلام صحافة لا وزن له فالإمبريالي الفاشي فوكوياما ليس بقالاً في حارة مانهاتن بنيويورك بل هو مستشار لوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وهو يقرر علناً وليس في ندوات سرية . إن الصدام القادم هو مع العرب المسلمين (قال ذلك في أعقاب انقضاء الحرب الباردة) وإنه آت لا محالة وكذلك البروفسور الشوفيني الرجعي صامويل هنتغتن HANTIGTON الأستاذ في معهد الدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفارد وهو الآخر ينتمي إلى الأوساط التي تنضج الفرارات السياسية في أميركا يكتشف فجأة (هو وليس نحن) أن النظام الرأسمالي يؤمن بالتفوق العرقي ويدعو إلى حروب عرقية وكأن الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية كانت في المريخ ولم تكن من ضروب الأنظمة الرأسمالية . بل إن النظام السياسي في الولايات المتحدة يتجه حثيثاً إلى هذه المواقع بسبب الأزمات التي يمر بها النظام الرأسمالي الاحتكاري داخلياً وخارجياً لذلك فهم يطلقون النداءات المشحونة بالحرب والإبادة لكنهم يتحولون فجأة إلى مدافعين عن (الديمقراطية) و(حقوق الإنسان) عندما يتعلق الأمر بالبلاد العربية والإسلامية أو الصين الشعيبة أو كوريا الشمالية أو كوبا وهناك من يصفق لهم إعجاباً أو نفاقاً أو كيداً بجار له يضمر له الحسد.


إننا نطرح على المثقف العربي أن يعمل وفق الحديث النبوي الشريف " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده وإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان" حديث ) أن يكون في مقدمة أمته قلماً حراً شريفاً وليس مروجاً لسلع فاسدة يريد مصدروها أن يستولوا على عقولنا أولاً ثم تاريخنا بل ومستقبلنا أيضاً . أن يكون جزء من درع بلاده وأمته وجزء من مسيرة التحرر والظفر وليس عضواً في جوقة مهرجين وفي معسكر أعداء بلاده وأمته.


إننا كمثقفين وكمؤسسات ثقافية وحكومية اعتمدنا لحد ألان على الرد العفوي والدفاع الغريزي ورصيدنا الحقيقي ومسـتودع أسلحتنا المضادة هو ثراء هذه الأمة وعمق أسسها وجذورها لم يعبأ في المعركة بعد ولكن فوق ذلك نحن بحاجة إلى تشخيص وتخطيط دقيق وإقامة صلات حقيقية مع الجماهير فهي القوة التي تحمي أسوار الأمة . تحمي ماضيها وحاضرها وترسم لها خطوط المستقبل

تعليقات

أحدث أقدم