ترسيم وتطبيع.. ومنتصرون

مشاهدات


سناء الجاك
كاتبة وصحافية لبنانية


يجتمع اليوم رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب في لبنان ليناقشوا ويدرسوا ويقرروا مصير مسودة الاتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل التي سلمتهم إياها السفيرة الأميركية .هذا في الظاهر أما في الحقيقة فالواضح أن "حزب الله" هو من يدرس ويناقش ويوافق ويحدد مصير الاتفاق بعدما أضعف هذه الدولة وصادرها فأصبحت واجهة له ولنشاطاته ولمشاريع مشغله الإيراني . وواضح أن إسرائيل تعرف هذا الواقع بالتالي فإن التفاوض معها لم يأخذ مجرى دولة مع دولة كما هي حال المفاوضات الدولية القائمة على معطيات تقنية يتولاها الخبراء والاختصاصيون وبعدما تستوفي شروطها بما يلائم البلدين تنتقل إلى الحيز الرسمي للمؤسسات والوزارات المختصة ومن ثم إلى أعلى الهرم المتمثل بالحكومة ومجلس النواب وصولا إلى رئيس الجمهورية . هذا الأمر لم يحصل أو لنقل إنه خُنِقَ في مهده وتم انتزاع الملف من يد الجيش اللبناني والخبراء الذي كانوا يعقدون جلسات المفاوضات غير المباشرة مع الجانب التقني الإسرائيلي في الناقورة وانتقل إلى ممثلي الطوائف في هيكلية الدولة والذين لا يخالفون إرادة الحزب لا بنقطة ولا بفاصلة .

 

إلى هنا قد يقول قائل ان المهم هو حصول لبنان على حقوقه النفطية والغازية بما يساهم بخروجه من الجحيم الاقتصادي الذي فاق كل التوقعات فالهدف ليس قتل الناطور وانما أكل العنب . وقد يقول آخر أن إسرائيل لا تفهم إلا منطق القوة لذا كان لا بد من تدخل الحزب لصون هذه الحقوق . ولكن ماذا عن منطق آخر يوضح ملابسات اعترت المحادثات بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي لدى انطلاقها كون الخريطة التي كانت تتم المفاوضات على أساسها قد استندت إلى تقديرات خاطئة وتتعلق بمساحة بحرية تقدر بنحو 860 كيلومترا مربعة تُعرف حدودها بالخط 23، بناء على خريطة أرسلها لبنان عام 2011 إلى الأمم المتحدة في حين أن المطلوب هو البحث في مساحة 1430 كيلومترا مربعة إضافية تشمل أجزاء من حقل "كاريش" وتُعرف بالخط 29 وهو ما رفضته إسرائيل جملة وتفصيلا.. ومن بعد ذلك بدأ التدخل العلني للحزب في الملف.. ولكن وفق الشروط الإسرائيلية . ربما لهذا السبب تم سحب ملف المفاوضات من يد الاختصاصيين وإيداعه الرؤساء الثلاث المتنابذين في كل الملفات والذين اتفقوا بسحر ساحر على هذا الملف ليصل إلى المربع الأخير حاملا بنودا تتناقض جملة وتفصيلا مع "ثوابت حزب الله" الذي يبرر مصادرته الدولة بالحرب الأزلية مع إسرائيل . وبعض هذه البنود كما تم تسريبها تتحدث عن ان الحد البحري هو الخط 23 كما هو دون أي تعديل ومنطقة أمان على "خط العوامة" يمتد لمسافة 6 كيلومترات من رأس الناقورة ليشكل "الخط الأزرق البحري" الذي أقامته إسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000 ما يعني تطبيعا عسكريا لحفظ أمن إسرائيل في كاريش . كذلك يحق للبنان استغلال حقل قانا استغلالاً كاملاً حتى الجزء الذي سيبقى تحت السيطرة الإسرائيلية ما يعني تعاونا وتطبيعا اقتصاديا يقتضي التعامل المباشر بين الطرفين في المستقبل . بالتالي يصبح التوقيع المنفرد على أساس المفاوضات غير المباشرة انتصارا لفظيا للحزب لأن تبعاته مباشرة ومتطورة ومتفاعلة وفق المقتضيات التي سوف تتجاوز الترسيم إلى التنقيب واستخراج الغاز والنفط . ربما وبناء على هذا الواقع اعتبر مسؤول إسرائيلي كبير أمس الأحد إن تنفيذ اتفاق بشأن حدود إسرائيل البحرية مع لبنان هو انتصار لأمن إسرائيل .. وإن "المصالح الأمنية لإسرائيل ترسخت في الاتفاق" . 

 

والمفارقة أن "حزب الله" وفي المقابل اعتبر نفسه منتصرا بدوره بعدما أرغم إسرائيل على "الاستجابة وعلى التفكير من أجل أن يعترف بحقوقنا" ومع أنه بتدخله أرسى مطالب إسرائيل لجهة الخط 23 وليس الخط 29 ما يعني إزالة الأسباب التي دفعت الجانب اللبناني من خلال الخبراء في الجيش إلى رفض الطرح الإسرائيلي . لكن الحزب مصر على الترويج بأن الاتفاق أتى نتيجة لتهديدات أمينه العام وعلى الإشادة بالمواجهات الفولكلورية التي لا تخدم إلا الاستهلاك السياسي والشعبوي الداخلي وتحديدا لأن الاتفاق يتضمن بشكل غير معلن ضمان الاستقرار على الحدود الجنوبية طالما أن التنقيب عن النفط سينطلق وبشراكة لبنانية/إسرائيلية في حقل قانا . وبناء على ذلك ربما لن يكون صائبا طرح السؤال على الشكل التالي : هل كان لـ "حزب الله" وتهديداته دور في انجاز الاتفاق ؟ الأصح هو : هل ساهم "حزب الله" في إنجاز الاتفاق من خلال قبوله بتطبيع مقنع مع إسرائيل وبتجنب معركة دبلوماسية دولية تتعلق بحدود لبنان المائية وتنازل عن الخط 29 ؟ الجواب قد يعكسه ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي من أنه "ليس لدينا مانع من تطوير حقل غاز لبناني يضعف التبعية لإيران ويكبح حزب الله ويعيد الاستقرار". فالاتفاق إذا ما تم توقيعه يعني حكما التخفيف من حدة التوترات وإيجاد مساحة عمل مشتركة قائمة على التطبيع المقنع لحاجة الحزب إلى مزيد من المواقف العنترية التي يبيعها إلى جهوره ويستبيح لبنان من خلالها لمصلحة مشغله الإيراني . 


المصدر : عربي-sky-news

تعليقات

أحدث أقدم