احتفاء بالبدايات

مشاهدات


عائشة سلطان


كل شيء حولك يسبّح باسم الخالق ولكننا لا نفقه تسبيحه لكن الطبيعة كيان عظيم واسع تفاصيله فوق التعداد وأكبر من الإحاطة وما تراه ليس إلا بمقدار ما تأخذ الإبرة من المحيط إذا غمست فيه .

 

أصحو باكراً جداً على غير عادتي يتحرر جسدي من مدارات حبس فيها زمناً، بسبب نمط العيش والحياة ومكيفات الهواء والحرارة الشديدة وانعدام العلاقة بالطبيعة هنا وسط الطبيعة وفيما يطلق على الأيام صفة الإجازة تتحرر من كل الضغوطات فتصحو بتلقائية لا تريد العودة للنوم ولا تتثاءب أو تتمطى بكسل أبداً ليس بسبب إزعاج الخارج الذي يجعلك تصحو مرغماً ولا لجوءاً لمنبه ضبط الوقت . اصْحَ كل يوم في التوقيت نفسه من الفجر فترى كل ما حولك من الشرفة مشرقاً ومضاء بنور الصباح  فتشعر وأنت ترسل بصرك في الفضاء الممتد أمامك أن المدينة بكل ما فيها تتوضأ بنور ربها قبل أن تنهمر عليها أشعة الشمس الحارقة فتقف متأملاً متملياً تعب من هواء الجبال النقي بينما يشق صمت المكان خرير الماء الهادر المتحدر من الجبال صوب البحيرة شاقاً وسط المدينة وماراً بالعابرين والعابرات ومحلات بيع الخبز والمقاهي التي تعبق مداخلها برائحة الصبح والقهوة وبالنزل الصغيرة والعمال الذين يأخذون على عاتقهم ترتيب المدينة والعناية بنظافتها وأناقتها كل يوم .

 

بينما أنت مسمر وسط الفجر ولسعات البرد اللذيذ تفكك بهجة البدايات بينما خليط من أصوات الطير على حافة الصباح تصدح وتنفس الأشجار في غابات الصنوبر تصنع معجزتها وأزيز كائنات ترى وأخرى لا ترى : صوت تساقط أوراق الشجر خطوات فتاة تسرع نحو المقهى الذي تعمل فيه رجل يشغل سيارته أسفل شرفتك ارتطام غصن بآخر وتدحرج حجر تتقاذفه أقدام صبي يسرع نحو البحيرة لسبب ما وتسارع أنفاس رجل يحث خطاه مسرعاً نحو محطة القطار يريد أن يلحق موعد القطار وصوت نافذة تفتح أمامك مباشرة تتوارى خلف ستائرها امرأة تهم باستقبال يوم مضيء آخر . 

 

المصدر : البيان

تعليقات

أحدث أقدم