أزمة الكهرباء في العراق.. مليارات الدولارات بلا فائدة وفشل في استغلال الغاز

مشاهدات

 

تنقطع الكهرباء المجهزة من الحكومة في البلاد بشكل مستمر ومتواصل لساعات طويلة ويصل التجهيز أحيانا بين أربع أو ست ساعات فقط في اليوم الواحد . ويعتمد العراقيون بشكل كبير على شراء كميات محدودة من الطاقة من أصحاب المولدات الأهلية المنتشرة في المناطق السكنية في البلاد . وفي عام 2021 قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إن العراق أنفق نحو 81 مليار $ على قطاع الكهرباء لكن الفساد كان عقبة قوية أمام توفير الطاقة للناس بشكل مستقر وهو إنفاق غير معقول دون أن يصل إلى حل المشكلة من جذورها . ويشير تقرير لوكالة الطاقة الدولية صدر في أبريل 2019 إلى أن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ حوالي 32 ألف ميغاواط ولكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفعالة التي يمتلكها . وتشير التقديرات إلى أن العراق يحتاج إلى 40 ألف ميغاواط من الطاقة لتأمين احتياجاته عدا الصناعية منها . لكن التميمي يقول إن المبالغ المصروفة على الكهرباء هي ليست وحدها الخسارة الكبيرة التي يتحملها العراق بسبب نقص إنتاج الطاقة .

 

خسارات اقتصادية كبيرة

ويقول تقرير لمعهد بروكينغز الصادر في عام 2015 إن العراق يخسر سنويا نحو 40 مليار $  بسبب نقص إنتاج الطاقة . وتشمل الخسائر هذه الأموال الكبيرة التي يصرفها العراقيون على شراء الطاقة وخسائر في قطاعات الصناعة والزراعة والمشاكل الصحية التي يسببها الانقطاع المستمر للطاقة بحسب الصحفي المتخصص بالشؤون الاقتصادية محمد السلطاني . ويشتري العراقيون الأمبير الواحد من الطاقة الكهربائية من أصحاب المولدات بنحو 20 $ شهريا مضافا إليها تكاليف متوقعة للصيانة وبفترة تجهيز يصل مجموعها إلى 14 ساعة يوميا فقط بحسب السلطاني . ويكفي الأمبير الواحد لتشغيل مروحتين ويحتاج المنزل المتوسط إلى 10 أمبيرات من الطاقة لتشغيل الأجهزة الأساسية مثل الثلاجات والمراوح . ويحتاج جهاز التبريد متوسط الحجم  ما بين 8 و12 أمبيرا من الطاقة وتكاليف أخرى متعلقة بنقل الطاقة من المولدات ويقول السلطاني : في المعدل يصرف العراقيون مليار $ شهريا لشراء الطاقة باحتساب أن هناك 10 ملايين منزل في العراق يصرف كل منها 100 $ فقط شهريا مشيرا إلى أن هذه أرقام متحفظة وأن المبلغ قد يكون أكبر ويضيف : مليار $ كافية لتوليد ونقل 1000 ميغاواط أي أن ما يصرفه العراقيون على المولدات في سنتين كاف لحل مشكلة الكهرباء في البلاد حتى لو تغاضينا عن الهدر الحكومي الكبير في أموال المشاريع . وتشير تقديرات غير رسمية إلى وجود 4.5 مليون مولد كهرباء كبير الحجم في العراق تعمل بالديزل .


الضغط السياسي

وسنويا تعلن الحكومة العراقية عن إجراءات لحل أزمة الطاقة في البلاد لكن لا يقتنع بها السكان عادة . وتسبب درجات الحرارة الكبيرة كل صيف والتظاهرات المرتبطة بها والتي تتجدد بشكل شبه سنوي في زيادة الاضطراب السياسي في البلاد . ويعود ذلك بحسب المحلل السياسي علي المعموري إلى أن الحكومة بنظر العراقيين مسؤولة عن الهدر الكبير في الأموال في قطاع الطاقة . وما جعل الوضع أسوأ هو التصريحات المستمرة بأن المشكلة ستحل نهائيا ولكن الصيف يجلب دائما مزيدا من الغضب تجاه الحكومة . وفي عام 2012  تنبأ نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة آنذاك حسين الشهرستاني بأن العراق سيصل إلى مرحلة الاكتفاء الكامل من الكهرباء بل أنه قد  يصدرها  إلى الأسواق المجاورة . لكن بعد 10 أعوام من هذا التصريح لازال العراقيون  يعانون من مشكلة لم تحل أبدا بحسب المعموري . وتكرر التصريح  بعد سنوات في عام 2017  من قبل وزير النفط  قاسم الفهداوي وقال إن العراق سيصدر الطاقة وعاد في العام ذاته  ليقول إن نسبة كبيرة من العراقيين قد تكون نست إطفاء سخانات المياه في الصيف وأنها تستهلك الكثير من الكهرباء بحسب قوله ما أثار سخرية واسعة النطاق تحولت إلى احتجاجات قتل فيها متظاهرون في البصرة وانتهت بإقالته من منصبه عام 2018 . وفي عام 2019 استدعت لجنة برلمانية الفهداوي للتحقيق معه بتهم فساد وطالت التحقيقات خمسة وزراء سابقين آخرين ونائبين لرئيس الوزراء لكن لم يتم الإعلان عن نتائجها كغيرها من التحقيقات . وفي أبريل 2022 حكم القضاء العراقي بالسجن على وزير الكهرباء في حكومة عادل عبد المهدي (2018-2020) لؤي الخطيب بالسجن عاما مع وقف التنفيذ وبدفع غرامة بتهم إهمال .


حقيقة الفساد

ويقول المحلل المعموري إن الفساد في قطاع الطاقة متشابك للغاية لأن نقص تجهيز الطاقة يحقق أرباحا هائلة لمزودي الطاقة المحليين ويحقق أرباحا لدول متدخلة في الملف العراقي مثل إيران التي يشتري منها العراق الطاقة الكهربائية والغاز بأموال كثيرة . وتصدر إيران نحو 1 غيغاواط من الطاقة للعراق وتبيعه ملايين الأمتار المكعبة من الغاز لتشغيل محطاته . وفي بداية الصيف الحالي خفضت إيران تصدير غازها للعراق من 45 مليون متر مكعب يوميا إلى 30 مليون متر مكعب ما سبب انخفاضا في تجهيز الطاقة . وتريد أن يدفع العراق لها الديون المتراكمة بسبب الغاز والطاقة . وأعلن العراق عن اتفاقه مع طهران على تسديد 1.6 مليار$ اعتبارا من الأول من يونيو لضمان تدفق الغاز خلال أشهر الصيف الأربعة . ويقول المعموري إن الفساد يمنع العراق من استغلال الكميات الهائلة التي يحرقها من الغاز الطبيعي كل يوم  فيما يشتري الغاز من دول أخرى . ويعتبر العراق ثاني أكبر دولة تحرق كميات كبيرة من الغاز في العالم بعد روسيا، فيما يسعى إلى توفير 200 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا يتم توليدها من حقول النفط الرئيسية . وتحرق مصافي النفط العراقية نحو 17 مليار متر مكعب سنويا من الغاز بحسب أرقام العام الماضي . وأعلن الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال بشكل متكرر عن مساع لاستثمار الغاز المحترق لكن من دون خطوات عملية . ووقع العراق مؤخرا اتفاقية مع شركة بيكر هيوز الأميركية من أجل استغلال الغاز بدلا من حرقه حيث ستبدأ في العمل في حقول نفط في الناصرية وحقول نفطية أخرى شمال البصرة . وتنص الاتفاقية على الاستفادة مبدئيا من معالجة الغاز في حقول الناصرية للاستفادة من 100 مليون قدم مكعب من الغاز . وسيذهب هذا الإنتاج إلى قطاع توليد الطاقة المحلي حيث سيسمح الغاز الذي يتم تجميعه في المرحلة الأولى من توليد  400 ميغاواط من الكهرباء لشبكة العراق وسيحتاج المشروع 30 شهرا قبل بدء الاستفادة فعليا من الغاز المستخرج .

 

المصدر : وكالات

 

تعليقات

أحدث أقدم