عزيزي القارئ.. أنت مثلي

مشاهدات



ياسر عبد العزيز


لا أحد ينكر أهمية الإعلام في ترسيخ مفاهيم أو بناء وعي الجمعي ومن ثم تشكيل الرأي العام فقد بات الإعلام بوسائله المتنوعة يلعب الدور الأهم في ضخ المعلومات ورسم الصورة الذهنية المتوقعة للأحداث بل والكليات فقد أصبح في غياب القراءة الرصينة أهم مصدر للمعلومات والمعارف وله بهذه الميزة التأثير الأقوى في التنشئة الاجتماعية لذا نجد أن الحكومات والمنظمات ومن ورائهما ينفقون المليارات في هذه الأداة المهمة في سياسة الإنسان .

 

دور الإعلام في الترويج للمصطلحات وترسيخ المفاهيم :

من نافلة القول الحديث عن دور الإعلام في نشر وترسيخ المفاهيم وترويج لجديد المصطلحات والتعريف بحديث التقليعات ولما اضحى العالم قرية صغيرة مع ثورة الاتصالات التي يعيشها الآن والذي لا أراه إلا جزء من العولمة التي تحدث عنها الغرب منذ مطلع القرن الحالي وهو المصطلح الأخف لهيمنة الحضارة الأقوى كواحد من أوجه الاستعمار المهيئ لاستغلال الشعوب كآلة استهلاكية تلتهم مخرجات ماكينة الصناعة الغربية الجبارة إلا أن هذا النمط الاستهلاكي للإعلام استلزم تغيير النمط السلوكي والأخلاقي القيمي لتلك الشعوب وهنا لا يفرق بين الشعوب الغربية وغيرها من الشعوب فالكل عند أكاسرة الرأسمالية مجرد ترس في ماكينة استهلاك كبيرة يصنعها هو ويداوم على إبقائها تعمل وفي خضم كل ذلك يخرج لنا مارد الإعلامي الاجتماعي وسائله المنتشرة على الهواتف الذكية ليكون الأداة الأسرع  والأسهل للوصول لتلك الأداة الاستهلاكية ولا حاجة في ذلك أن يكون متعلمًا أو أُميًّا فالغريزة دافعة في ظل تأجيجها بإعلانات جاذبة وسائل التواصل الاجتماعي عرفت أيضا اختراق تغيير القيم مستفيدة من ذلك الانتشار الكبير لتلك التطبيقات والمواقع .

 

جعفر توك هو برنامج تلفزيوني يقدم على القناة الألمانية (DW) وهو النسخة المطورة لبرنامج شباب توك وفي البرنامجين يتحرك مقدمه ومعده جعفر عبد الكريم في دوائر الإثارة لمواضيع خارقة للقيم الثابتة في المجتمعات العربية والإسلامية وقد كنا منذ سنوات نصنف ذلك في الصحافة بــ(الصحافة الصفراء) والتي تجذب المتابع سواء كان قارئا أو مستمعا أو مشاهدا لجني أرباح من الإعلانات أو زيادة بيع المطبوعات لكن مع التدقيق وجدت أن جعفر يعمل في منظومة بقصد أو غير قصد هدفها تغيير تلك القيم وهدم أساسها بالتهكم على مرجعيتها والاستخفاف بالثوابت التي على أساسها بنيت . في برنامج (The Megyen Kelly Show) عرضت المذيعة التي يحمل البرنامج اسمها مقطعاً مصوراً لرئيسة شركة ديزني العالمية المشهورة كيايتي بيرك تتحدث فيه على أنها موجودة في هذا الاجتماع الداخلي للشركة لتعرف نفسها بأنها أم لطفلين مثليي الجنس ثم دعت لأن يكون من بين أبطال الأفلام التي تنتجها الشركة مثليين وبكت بيرك بكاء وصفت دموعه بدموع الفرحة من قرار ظهور أبطال كارتونيين مثليين في انتاجهم القادم ثم قالت (لن نسمح بالعودة إلى الوراء) لتعلق ماجين كيلي مقدمة البرنامج أن ديزني من الآن فصاعداً سيحتوى انتاجها على قصص “مجتمع المثليين” وسيضعون مواد متعلقة بذلك “المجتمع” ما يعني أن شخصيات هذا “المجتمع” ستكون في كل مكان ومثار كل الشرائح ومن الآن أصبحت شريحة الأطفال من ضمن تلك الشرائح المستهدفة ..

 

ليبقى السؤال الأهم لماذا هذا المحتوى تستهدف به كل الشرائح حتى وصل الاستهداف لشريحة الأطفال ؟ سؤال محير نحاول الإجابة عليه من قادة هذا “المجتمع” .


المثلية قضية يجب النضال من أجلها :

لكي أكتب هذا المقال قرأت وسمعت وشاهدت الكثير من المحتوى الذي يروج لــ “مجتمع المثليين والعابرين والمتحولين ومزدوجي الرغبة” ووجدت أن لهم أعلام وأعياد ترفع فيها تلك الأعلام وكل ميل يرفع علما خاصا به وكأنها شعوب وقبائل تعارفت فتجمعت فمنها علم “جيلبرت بيكر” وهو الأشهر ذو الثمانية ألوان الذي تحول لظروف تاريخية إلى ستة ألوان محافظاً على درجات لون قوس قزح وهناك علم “العابرين جنسيا” وعلم “أصحاب الميول المزدوجة” وعلم “الهوية المرنة” وغيرها من الأعلام التي تكشف عن الميول وكأن أحدهم إذا أراد أن يتغوط سيرفع لذلك علماً في مخالفة للفترة السوية التي ترى في اتيان الشهوة واحدة من خصوصيات الإنسان لكن رافعي هذه الأعلام ومعتقدي فكرها يرون في الجملة التي ذكرت آنفاً سبب في نضالهم ضد الرجعية التي يبثها أمثالي في كتاباتهم . 

 

إن المثلية بتفرعاتها ليست مرضا وعندهم من منظمة الصحة العالمية شهادة بذلك كما أن لها أصل في مملكة الحيوان التي ينتمي الإنسان لها في جدول التطور الاحيائي لذا فنجد “علماء” اثبتوا المثلية بتفرعاتها لدى عدد من الحيوانات لكن مع اقرارهم بأن هذه المثلية هي شذوذ عن الكليات لنوع حتى القرود أشبه الكائنات بالإنسان أثبتوا بها المثلية قبل أن يؤكدوا أنها شذوذ عن الأصل إذ أن الأصل في العملية الجنسية هو التكاثر قبل الاستمتاع لذلك فإن الذهاب لنفس النوع سيقطع استمراره ما يعني بالنهاية الانقراض هو ضرب من العبث ولأن المنظرين للفكرة يؤكدون بأن المثلية مثبتة منذ آلاف السنين ولم ينقرض البشر مدللين في ذلك بالقرن الأول قبل الميلاد في الصين وبأرسطو وأفلاطون اللذين تكلما عن الأمر من غير استهجان كسلوك مشروع في مجتمعاتهم فإن استهجانه الآن إنما هو مدفوع لسيطرة العقول “المتحجرة” على العالم الآن لذلك فإن كيايتي بيرك رئيسة شركة ديزني عندما قالت : (لن نسمح بالعودة إلى الوراء) كانت تزج سهامها “للرجعية” ما يعني أن أصحاب الدعوة للمثلية يرون في أنفسهم دعاة تحرر وتقدمية وهو ما يمكن فهمه من حضور رؤساء وزارات ووزراء ومن غير هذا “المجتمع” مسيراتهم فيما يسمى يوم الفخر ومن ثم يمكن فهم هذا الحضور الكبير من خارج هذا “المجتمع” من المناصرين لقضية يرون أنها متعلقة بالحرية الشخصية في إطار (أنا حر ما لم أضر) ما يعني أن الحديث عن المثلية هو نتاج طبيعي لليبرالية ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرأسمالية في تفصيل يمكن الحديث عنه لاحقا وما يعني أيضا أنه قضية يناضل من أجلها أصحابها ضد الرجعية وحق اعترفت به المواثيق الدولية وعلى العالم أن يقتنع به لذلك نجد أن لاعب باريس سان جيرمان “إدريسا جايا” الذي لم يشارك في مباراة فريقه أمام مونبيليه حتى لا يظهر بقميص الفريق الذي كانت أرقام اللاعبين عليه ملونة بعلم المثليين جنسيا يجب أن يعاقب لأنه خالف مواثيق دولية لا لوائح نادي رغم حديث نفس العالم الذي وضع تلك المواثيق عن الحرية لذا فإنك تضر إذن فأنت لست حر ما يعني أخيراً أن العالم مقدم على ترتيبات جديدة منها نشر الشذوذ حتى في القواعد وهو الهدف من كل ما يحدث .



الشذوذ مرض العصر القادم بقوة :

لم تكن عمليات القتل الفظيعة التي تصور في مقاطع وتنشر بشكل مذهل مخترقة كل قواعد النشر الإعلامي وضوابط المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت تنشرها داعش إلا واحدة من حلقات نشر الشذوذ في العالم وتقطيع أواصل الفطرة السوية التي ترفض البشاعة بكل صورها ولم يكن حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن الذبح والرفق بالذبيحة والقتل الرحمة بالمقتول إذا ما اضطر أثناء القتال إلا ليثبت حقيقة هذا الدين ومن ثم فإن نشر أفلام ينفق عليها الملايين من الدولارات لنشر القتل حتى صار القتل أمراً طبيعيا مستساغا على لسان الأطفال إنما هو عكس تلك الفطرة التي يدعو إليها الإسلام  لذا فإن من تحدث عن ان المثلية كانت أمراً مقبولا في التاريخ  فإن التاريخ يقف عنده إلى ما قبل الإسلام  دين الفطرة السوية . وقس على ذلك أفلام الرعب التي باتت منتشرة بين أوساط الشباب والأفلام الإباحية وما تتضمنه من شذوذ متجدد بأنواع لا تتفتق أفكار الشيطان نفسه لها وصولاً إلى أنواع المخدرات المخلقة والرخيصة المنتشرة بين صفوف طلاب المدارس الثانوية في العديد من الدول العربية بعد الأجنبية والتي بدورها تعمل على تدمير خلايا المخ  ولا يبتعد كثيراً نفس الهدف (تدمير خلايا المخ) عن انتشار الإلحاد والتشكيك في ثوابت العقيدة  فتغيير كيمياء المخ بالمخدرات لا يختلف كثيراً عن تغييره باللعب في ثوابت القيم  فالاثنان يؤديان في النهاية لخلق إنسان مسخ من دون هوية وشخصية يمكن سياقته بأريحية فلا كوابح تمنعه ولا محددات توقفه .

 

حادثة إدريسا جايا وقبلها الهجوم على اللاعب المصري المعتزل محمد أبو تريكة بعد تصريحاته عن ارتداء شارة قيادة الفرق الإنجليزية بألوان علم المثليين وتحذيره من ذلك السلوك والرغبة لنشره هو القادم لعالمنا البائس الذي لا يجد من يدافع عن الثوابت التي يحمها الأكثرية فباعتراف “مجتمع المثليين” هم أقلية وهو ما يعني أن رغبة الأقلية في فرض رأيها على الأكثرية هو الشذوذ بعينه ما قد ينسحب على كل شيء وهو ما ترفضه الديمقراطية بقواعدها المبشر بها وما سيكون له آثاره على العالم لو كانوا يعلمون لكن من يحكمون العالم من خلف الحكومات يريدون ما قد لا تفهمه تلك الحكومات لكن النتيجة هي الوصول لإنسان ممسوخ غير سوي .


عزيزي القارئ.. أنت مثلي :

عزيزي القارئ أنا متأكد أنك مثلي لا تقبل هذه الخطط والتدابير التي تسعى لتدمير المجتمع بنواتها الأولى .. الأسرة بمكونتها الأساسية المتمثلة بالفرد الذي يتم تدمير قيمه المسيحية بمناهج تعليمية في الغرب العلماني الملحد  ويراد لتلك المناهج أن تنقل لبلادنا وتدميره بشبكات الأفلام التي تنتج منتجات شغلها الشاغل بث قيم مغايرة عن تلك التي تربينا وتربى عليها أسلافنا مؤكدين على أن ما يبث هو جزء من الحداثة ولعل ورقة التوت التي توضع على أعلى يمين الشاشة (علامة +16 أو + 18) ستزال قريباً تحت وطأة القوة المتنامية لمجتمع المثلية وناشري الشذوذ بمفهومه الذي ذكرت .

 

عزيز القارئ أعرف أنك مثلي لن تقبل مثل تلك البرامج الحوارية التي تهتك الحياء بدعوة الحرية وشجاعة مواجهة الحقيقة وأعلم أيضاً أنك مثلي لا تقبل مقاطع الفيديو التي تتزايد والتي تتحدث عن العلاقات الحميمية بدعوة أنها للحفاظ على الأسرة والصحة “الإنجابية” وهي متاحة للجميع كبار وصغاراً بلا رقابة ومحتواها يبعد كثيراً عن عنوانها ليذهب إلى ما هو أبعد من ذلك يهدف بالنهاية إلى خلق حالة سعار جنسي يدمر العقل فالجنس كما المخدرات يوصل إلى الإدمان وما بعد الإدمان معروف . عزيزي القارئ أعرف أنك مثلي لا تقبل أن يغرز فيك أو في أبنائك تقبل الدم المفرط والعري السافر ومصطلحات تخدش الحياء لتصير مفردة مستخدمة وطبيعية حتى ولو في شكل نكات يراد منها الترويح عن النفس من ضغوط الحياة اليومية كما أنك مثلي لن تقبل أن تشتري أحد المغربيات المجنسات نطفة تزرعها في رحمها ثم تنازعها شريكتها المثلية على ملكية المولود  لن تقبل هذا الشذوذ الفكري والقيمي والعقلي لن تقبل إلا التمسك بالفطرة السليمة مع اعتراف هذا “المجتمع” أنه حالة خاصة وأقلية في السواد الأعظم من هذا العالم . إن الخطر عظيم وتظهر عظمة هذا الخطر عندما تجد أن الفكرة لها منظروها وتتبلور على أنها شكل من أشكال النضال ويدفع له الشباب الذي تم إضاعته بإضاعة الطريق وفقدت البوصلة وغاب الهدف بغياب المشروع  ويظهر عظم الخطر من تلك الآلة الإعلامية الجبارة التي تعمل ليل نهار لترسيخ هذه الأفكار و”المبادئ” لتكون هي الأصل والفطرة التي خلق الله عليه البشر هي الشذوذ والانحراف يظهر عظم خطورة الأمر عندما تجد مليارات الدولارات تنفق على مستوى العالم لتثبيت تلك الأفكار ونشرها والعمل على تثبيتها بتدريسها في المناهج التعليمية ثم أخيراً انتاج أفلام كارتونية تستهدف الأطفال لتسريع وتيرة ترسيخ تلك المفاهيم .والحل .. وهو واجب الوقت أن يتفرغ متخصصون لمواجهة هذه الظاهرة فحربنا القادمة هي حرب قيمية أخلاقية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقبل بالهزيمة أخلاقيا بعد أن ارتضينا الهزيمة الحضارية التي بالمناسبة هي ما دفعت أصحاب هذه الأفكار للتجرؤ على الثوابت والاتجاه لهدمها على المتخصصين أن يحللوا أساليب الهجوم ليضعوا وسائل للحماية منها ولا نعتمد على الدول فالحكومات مشغولة بما هو أهم من شعوبها وعلينا أن نعمل كلنا المتخصصون في علم النفس وفي التربية وعلماء الدين بعد تطوير خطابهم ليكون مقبولاً للطفل والشاب وصانعي المحتوى ومنتجي الأفلام ويسبقهم في كل هذا أصحاب الأموال فحزب الشيطان ينفق ولا يخشى إقلالا ونحن في ذلك أولى لأن العاقبة وخيمة في الدنيا والآخرة .


المصدر : رسالة-بوست

 



 

تعليقات

أحدث أقدم