التاسع من نيسان … حدث جلل ورؤية في المستقبل

مشاهدات



د. خضير المرشدي


يحق الوصف ليوم التاسع من نيسان بيوم الحدث الجلل ليس بسبب خطورته واتساع نطاق تداعياته فحسب وليس لأنه احتلال لإزالة نظام والمجيء بنظام بديل وليس لأنه جاء من أجل الهيمنة على النفط والثروات أو من أجل تحقيق مصلحة إسرائيل فحسب قد يكون هذا كله ( صحيحا ) ونتائج بديهية  لمثل هذا الزلزال الرهيب .  

 

لكن دعونا نفكّر بالسبب الأعمق لاحتلال العراق وتدميره بهذه البشاعة والتي تُعدُ من أشرس ( الضربات الجيوستراتيجية ) التي هزت أركان المجتمع الدولي بشكل عام والعربي خاصة وباتت تحتاج المزيد من التقصي والدراسة والتحليل المبني على الحقائق والأرقام والمعطيات والبدهيات المتعلقة التي أدت لمثل هذه الكارثة المستمرة بتداعياتها . فأهمية العراق ليس بصفته القطر العربي الكبير فحسب بل العراق (( الدور والتاريخ والإنسان النابغ والثروات والموقع والعمق الحضاري البلد الذي كان عبر التاريخ موئل التقاطع لثقافات وأفكار وأيديولوجيات وقوميات وأديان وطوائف ومذاهب ومصالح وإرادات شكلّت بمجملها دافعاً لاستهدافه وغزوه على مر التاريخ )) . ​ومن يقرأ تاريخ العراق يعلم أنه البلد الذي إذا ما توافرت له قيادة وطنية شجاعة تجيد توظيف هذه الميزات وإدارة هذه الإمكانيات وتوجيه مصادر القوة فيه بكفاءة وقدرة وذكاء مستثمرة في عقل الإنسان العراقي الخلاّق سوف يكون العراق القطب العربي شرق الأوسطي القادر على قيادة المنطقة بما يعزز من مكانتها الدولية لتكون أحد أقطاب أي نظام دولي يولد في مرحلة ما وبما يرفع من شأن الإنسان في مشرق الوطن العربي ومغربه .  النظرة الموضوعية لهذه الضربة والكارثة الجيوستراتيجية التي أودت بالعراق في لحظة انعدام التوازن الدولي القائم حينها تقتضي منّا نحن العرب ألا نبقى أسرى الماضي بما يحتويه من عناصر إيجابية أو سلبية وألا نبقى ندور في حلقة اللوم والتقريع لشخص أو نظام  وألا نمعن في جلد الذات أو نُنهك أنفُسَنا في بكاء لا جدوى منه على الأطلال والنحيب على ما ضاع بل ينبغي على المفكر والعالم والمثقف العربي أن يمتشق سيف العقل ويطلق العنان لجواد الفكر لينقد المنظومة الفكرية بسائر صنوفها نقداً علمياً منهجياً موضوعياً شجاعاً وبرؤية المستقبل والتأمل العميق في كيفية الخلاص من كارثة كانت وما زالت تعصف بجسد الأمة وستستمر هكذا إذا لم تبدأ هذه المراجعة الشاملة لمنظومات الفكر وخطابات الثقافة في كل دولة عربية لتجديدها ولتحقيق وحدة الفكر ووحدة الثقافة ووحدة المنهج الذي أصبح السلاح الأمضى في صراع الأمم والشعوب الأمر الذي يستوجب استيعاب خارطة العلاقات الدولية الجديدة التي تتقاطع فيها المصالح والإرادات والقائمة على المنافسة لبناء مجتمع المعرفة المفضي لبناء الإنسان الجديد حتماً .

 

لا بد إذن من ثورة فكرية وثقافية وأخلاقية شاملة تتجدد فيها منظومات الفكر والثقافة والعلوم بما يستوعب تداعيات هذه الضربة الاستراتيجية ويحوّلها إلى فرصة إبداع معرفي متعدد الاختصاصات بما يحقق بناء مستقبل الوطن العربي في نظام دولي جديد بدأ يتبلور في ظل الصراع الجاري بين الدول المتقدمة في شرق الكرة الأرضية وغربها .

تعليقات

أحدث أقدم