عروبتنا لا خوف عليها

مشاهدات




ضرغام الدباغ


أحد معارفي ونحن على صلة قديمة هو على درجة من الثقافة لم يكن منتميا لأي حزب أو حركة  سياسية ولكنه يزعم أنه يساري الاتجاهات وللأسف لاحظت أن البعض ممن يريد أن يتحلل من الروابط الوطنية والقومية والدينية يزعم بأنه يساري ويعلقها بظهر اليسار ليتخذ مواقف متحللة فاليساري هو مخلوق وطني متماسك صلب وليس كوزموبوليتي متحلل من الروابط الوطنية (Cosmopolit) بل هو يتمثل في موقفه على أشد التوجهات جذرية وصلابة ولكن الغش والخداع ليس حكرا على قوى اليمين والرجعية . 

 

فأنك قد تجد من يدعي الوطنية والقومية وهو في الواقع انتهازي لا يمانع أن يصطف مع معسكر أعداء الوطن وكذلك اليساري المزور يستعين بالكم الهزيل من ثقافته ليبرر التراجع والتخاذل وقد يتحول إلى أداة جارحة بيد القوى المعادية للوطن والأمة  ويصبح في عداد احتياطي العدو . هذا الصديق سافر إلى أوربا للدراسة وكان موفداً حكومياً وعلى نفقة الدولة . ومنها هاجر إلى أحد بلدان الغرب في ذلك البلد الغربي عمل لكي يعيش في أعمال واتجاهات مختلفة في البداية أعمال بسيطة ثم بدأ يتقرب من الأعمال ذات الصبغة السياسية حتى أنغمس فيها وفي البدء كانت وجهات نظره مهنية ثم أحترف الدجل وصار كأي متملق للبورجوازية يدافع عن أفعالها وتطور ليدافع عن الغرب والديمقراطية وأخيرا أصبح جهاز مذياع (راديو) ومؤشر المحطات فيه مصاب بالرخاوة يتراقص بخفة المحترف بين المحطات ولم يعد يخفي انحرافه وارتزاقه .. حتى لم يعد يخفي أنه يعمل لهم .. وهكذا أنتهى به الأمر وأصبح اليوم يجاهر بعلاقته الحميمة مع الجهات .. الرجل أحترق اليوم نهائيا ولم يعد لديه ما يخفيه وقد شق حجاب الحياء . هذا المنحرف قال لي بقلة حياء مشككاً بالعروبة فحاولت أن أكون موضوعياً وأن ارد عليه بموضوعية فقلت له : لاحظ أن مصر كانت الفرن الذي أنتج لنا بل وقادت الحركة القومية في عز انطلاقها وضحت من أجل فلسطين أكثر من أي شعب آخر وزعامة عبد الناصر تمثل ليومنا هذا إحدى المراجع في النضال القومي وحسن البنا يعتبر أحد الذين أسسوا حركة دينية وطنية واليسار المصري / العربي مثل لسنوات طويلة مصدرا للثقافة الوطني القومية لليسار العربي ولم نذهب بعيداً مصر أسمها " جمهورية مصر العربية " وفي دستور مصر (2014) فاز بأغلبية ساحقة في الاستفتاء عليه هناك نص واضح وصريح " مصر جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها ". وحين واجهت هذا الشخص بهذه الحقائق الدامغة أحتقن وجهه ونفث سمومه وقال كلمة هي خلاصة توجهه وما يبطن : " إذن أشبعوا عروبة .. سوف لن يسمح لكم الغرب بالنهوض ".

 

والحق أنهم لم يقصروا في منع العرب والمسلمين من النهوض ولكن فلينظروا بعمق إلى المشكلات التي تغرق بها بلدانهم ومجتمعاتهم .. مشكلات من كل صنف : سياسية في فقدان الثقة فيما بينهم التفوق الاقتصادي خرافة تنحسر ببروز اقتصاديات كبيرة وواعدة المجتمعات العربية متحدة رغم المشكلات إلا أنها أمتن من مجتمعاتهم بكثير حيث لا أسرة ولا حتى صداقات صادقة لا يوجد شيء سوى القانون الذي يؤطر المجتمع والمصالح المادية البحتة... فلينظروا للمخدرات والمسكرات والعلاقات الشاذة وشيوع ظاهرة التحول الجنسي تسري في مجتمعاته ثم إلى السرطان الجديد المتمثل باليمين الفاشي الرجعي الذي  يشتد عوده ... فليستمعوا لأراء علماء النفس والاجتماع لديهم ليدركوا عمق أزمتهم . إنساقوا وراء أوهامهم خططوا ليسلموا المشرق العربي بيد الفرس وشمال أفريقيا للفرانكفونية وعن عروبة شمال أفريقيا يتحدث أبن خلدون الحضرمي الأصل مقالة مسهبة في ذكر عروبة شمال أفريقيا (مقدمة أبن خلدون) وحلول العرب فيها قادمين من اليمن قبل الإسلام بقرون كثيرة منذ عهد موسى عليه السلام أو قبله بقليل وذلك يعني أكثر من 1200 عاماً قبل الميلاد و1800 عاماً قبل الإسلام أي قبل 3224 من يومنا هذا ! وقد تنازع السيادة عليها مع البربر وأن الملك العربي أمريقش بن قيس بن صنيعي من أعاظم ملوكهم هزم البربر وأسماهم بهذا الاسم حين سمع رطانتهم وعندما عاد من هناك حجز في تلك الديار قبائل من حمير وصنهاجة وكتامة . ومن هذا ذهب الطبري والمسعودي والجرجاني وأبن الكلبي والبيلي أن صنهاجة من حمير ." (ص.12) كم حاولت الدوائر السوداء أن تحيك المؤامرات والألاعيب الخبيثة في فرض اللهجات المحلية في الأقطار (ونفس المحاولات تمارس اليوم بطريقة ناعمة) أو استبدال الحروف العربية باللاتينية وشهدنا محاولا كثيرة لتزوير القرآن .. ولكنها محاولات تبوء بالفشل حتى بدون مقاومة منظمة فالمحاولات أصلاً تافهة وفاسدة لذلك فهي سريعة الفشل . ولكنهم مع ذلك يحاولون وما زالوا .. ولسان حالهم يقول مع كل جهودنا ومحاولاتنا هم يتقدمون فماذا لو كفينا عنهم .. نعم نحن نعلم علم اليقين أن الغرب يحاربنا بكل الوسائل ويتآمر علينا ليل نهار .. وخسرنا الكثير نعم .. وللأسف كسب من بين صفوفنا من يحارب لجانبه ضدنا .. فمن المؤكد أن ليس كل جهودهم فاشلة، بل هم يحققون نجاحات هنا وهناك ولكنهم سيفشلون في نهاية المطاف إذ للحياة قوانينها وهذا خارج إرادة القوى الغاشمة فالأمة اليوم هي غيرها عام 1920 (نهاية الحرب الأولى) هي غيرها عام 1945 (نهاية الحرب الثانية) وغير 1967 المساحة اتسعت وكافة المعطيات تغيرت اليوم  فعدد السكان (نحو نصف مليار نسمة) يقترب من الأمم الكبرى وسيتجاوز المليار نسمة في نهاية القرن أي بعد نحو أقل من 80 عاماً وعدد المسلمين في العالم سيتجاوز المليارين والموارد الاقتصادية كبرت ... والأمة تتجاوز مشكلاتها رغم الإعاقة والتشويش وهذه البلدان امتلأت جامعات وهناك دولتان عربيتان بين مجموعة الدول العشرين الكبرى (مصر والسعودية) والجزائر على وشك الالتحاق بهم يحيكون المؤامرات ويبذلون فيها جهود خارقة ولكنها تفشل الأمة تتقدم وأعداءها ومهندسوا الكوارث في أفول .. العالم يتغير هناك قوى صاعدة وبالمقابل هناك هابطون فرنسا وبريطانيا يهبطون سياسياً وأخلاقياً واقتصادياً منذ 1956 بلا توقف،رغم محاولات بعث عصر الاستعمار نوستالجيا مرضية هم بحاجة لعلاجات نفسية .. أليست هذه معطيات تدعو من وضع عقلة في علبة صغيرة أن يفكر بالتعامل مع هذه القوة البشرية والاقتصادية والثقافية وبالطبع السياسية بشرط أن يؤمن المنفعة المتبادلة ..؟

 

شمس الأمة سيبزغ والتحركات الصبيانية والابتزاز والبلطجة في السياسة الدولية سياسة فاشلة يحاولون إيقافنا بالتآمر والحرب والتدخل ولكن التقدم يتواصل رغم ذلك.. ومن لا يصدق فليشاهد افغانستان ... وليتعظ وليفهم الدرس ... وليتأكد أن الحملة الصليبية التاسعة آيلة للفشل القريب كما فشلت الحملات الثمانية قبلها. الحملة الصليبية التاسعة سوف لن تنتهي بأحتلال عواصم الغرب ولكن تحولات عالمية ستفضي إلى تسارع  في عملية ضعف الغرب العالم يتغير وهناك قوى تنمو وكما أن الضعيف لا يبقى ضعيفاً للأبد القوي سوف لن يبقى سيد العالم نحن وغيرنا الغرب ليس بمقدوره مواجه العالم بأسره في كل القارات تنمو قوى جديدة والغرب يتراجع لأنه لا يمتلك قيماً تستحق أن نحافظ عليها ما تعلمنا منهم هو العنصرية والتعصب الديني والعرقي الفاشية والنازية والاستعمار والامبريالية والعولمة والنهب والسلب والحروب العدوانية وشحن بعضنا على بعض ... تيار الاشتراكية يتصاعد من جديد في العالم بثياب جديدة ومحتوى ثوري .  إقرأ الجدول ... هذا كله حصل بعد أن غمس الوطن العربي بالدم فعلوا المستحيل لكي نبقى ندور في فلك الغرب ومع ذلك البلاد تتقدم وما خرب سيعاد تعميره .. أنفقوا المال الأسود وحركوا من الأتباع  ليعرقلوا عملية البناء وعلينا بالمقابل من أن نرص صفوفنا ونكتشف مزدوجي الولاء ومن يعتقد بأن العروبة تضعف يعيش في وهم مستحيل وفك التلاحم بين العروبة والاسلام خرافة .. كما هو محال أن تحذف المسيحية عن بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا ومحال أن تقنع أحداً أن يتخلى عن دينه لوطنيته هذه عملية جراحية غير ضرورية مطلقاً بل أن من يقوم بالمحاولات يثبت نواياه الغير سليمة . فمن يعتقد أن مصر بعيدة عن العروبة يعيش في الخيال والوهم  وأحلام عصافير وسطحي في استنتاجه هذا ...المصريون والجزائريون والمغاربة هم حقا وفعلاً قلب العروبة وأنهم بوعي شديد وعمق حقيقي يخدمون دورهم التاريخي بوعي وعلمية وثقافة الغرب في عمله يفتقر للعلمية والتخطيط هم في أوج قواهم هزموا وتركوا المنطقة واليوم في عز انحطاطهم يريدون العودة إليها ..علمياً أقول (من مبادئ الإعلام الخارجي الموجه) وأنا أستمع إلى بعض محطات الإعلام الغربي(المقروئة والمسموعة والمرئية) الرصينة وقد تحولت لبث الأكاذيب والتهريج فأدرك أن العداء للأمة تجاوز مرحلة الإعلام الرصين، إلى الإعلام الموجه (لا يشترط الموضوعية) أما الآن فقد دخل مرحلة الديماغوجية ... وبالعربي الفصيح ... التهريج الرخيص ... وفعالياتهم الهدامة متناقضة يسودها الارتباك العناصر التي يعتمدون عليها هم حثالات وقاع المجتمعات العربية ..

تعليقات

أحدث أقدم