الغاز الروسي يُربك الحسابات الأوروبية

مشاهدات

 

تفرض حسابات متداخلة نفسها على الموقف الأوروبي من الأزمة بين روسيا وأوكرانيا من أبرزها الغاز الروسي الذي يمد القارة الأوروبية بالطاقة خاصة في فصل الشتاء .

 

وبينما يقف الغرب موقفا مناوئا من موسكو على خلفية تلك الأزمة إلا أن ملف الغاز يُربك الحسابات الأوروبية لجهة اعتمادها على إمدادات الغاز الواردة من روسيا وعلى هذا المشهد المعقد تطرح عديد من التساؤلات نفسها من بينها مدى إمكانية تحمل أوروبا تبعات أي عقوبات على موسكو في هذا الإطار حال أقدمت على غزو أوكرانيا وما هي البدائل التي تمتلكها حال قطع الغاز الروسي عنها ؟ وهل تلك الخيارات البديلة ناجعة من حيث الجودة والتكلفة والسرعة وبمواجهة  تلك الحالة يقف الاتحاد الأوروبي الذي يعتمد على روسيا في تلبية نسبة تصل إلى 40 بالمئة من إمدادات الغاز أمام معضلة حقيقية . ويزداد الأمر تعقيدا مع المواقف متباينة داخل أوروبا نفسها إزاء ملف الغاز الروسي وتتجسد بشكل لافت في الموقف من خط أنابيب غاز بحر البلطيق نورد ستريم 2 الذي يضاعف كمية الغاز من روسيا إلى ألمانيا في وقت ترى فيه برلين أنه مشروع اقتصادي بعيد عن السياسة في ظل اللغط المثار حوله وعلى رغم تلميحات واشنطن وبرلين بتعطيله حال اقتحام أوكرانيا . وفي هذا السياق تلفت المستشارة في السياسات الدولية بواشنطن مرح البقاعي في تصريحات لها إلى أن روسيا تعتقد بأنه بمقدورها السيطرة على القرار السياسي في أوروبا من خلال السيطرة على إمدادات الغاز وأن روسيا يمكنها بالفعل السيطرة على القرار السياسي في أوروبا بالنظر إلى ما يمثله الغاز بالنسبة للدول الأوروبية كمصدر طاقة استراتيجي وبالأخص في هذا الشتاء القارس وتقول إن أكثر المستفيدين منه ألمانيا وفرنسا وتشدد البقاعي على أن موسكو ستعمل على استخدام هذا الخط كوسيلة للضغط على أوروبا في حال أقدمت على اقتحام أوكرانيا لافتة في الوقت نفسه إلى أن دخول روسيا إلى أوكرانيا خط أحمر بالنسبة للغرب ومن ثم سيضطرون للبحث عن بدائل للغاز الروسي حتى تقف أوروبا موقفا موحدا في حال دخلت أوكرانيا ولضمان عدم تعطيل عملية وصول إمدادات الغاز إلى أوروبا فعندما جاء الرئيس الأميركي جو بايدن سمح بهذا الخط ومع تصاعد حالة الصدام بين أوروبا وأميركا كحلفاء من ناحية وبين روسيا من ناحية أخرى حول أوكرانيا بدأ يتم التفكير في بدائل أخرى للغاز إلى أوروبا . وتشير المستشارة في العلاقات الدولية إلى أن دول أوروبا متحدة ضد روسيا فالدول الاسكندنافية متحدة الآن مع دول أوروبا الشرقية ولها موقف واحد وسنرى ما سيحدث في الأيام المقبلة لأن الحالة مأزومة جداً في هذه المنطقة بسبب الموقف الروسي . وتمثل إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا سلاحا جيوسياسيا مهما بالنسبة للكرملين من أجل توسعة نفوذ موسكو داخل أوروبا التي تتعرض لضغوط كبيرة في ملف الطاقة ووفق بيانات هيئة يورو-ستات الأوروبية فإن روسيا تعتبر ثالث أكبر مورّد للقارة  ألأوربية بعد الصين والولايات المتحدة بقيمة واردات 142 مليار € (160 مليار$) في أول 11 شهراً من العام الماضي 2021  تلك العلاقة التجارية تقر أوروبا بأهميتها القصوى وهو ما جددت تأكيده قبيل أيام رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالتزامن مع تقارير حول اعتزام روسيا اقتحام أوكرانيا . 

 

وبموازاة المصالح الجيوسياسية التي تصبو موسكو لجنيها في أوروبا عبر سلاح الطاقة يلفت الباحث بمؤسسة أميركا الجديدة باراك بارفي إلى المكاسب الاقتصادية التي تجنيها جراء مضاعفة إمدادات الغاز وزيادة نسب سيطرتها على تلك الإمدادات كمورد رئيسي في أوروبا . ويوضح أن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 والذي تم الانتهاء منه في سبتمبر الماضي وفي انتظار التصديقات النهائية يسعى إلى مضاعفة إمدادات الغاز من روسيا إلى ألمانيا ومنها إلى دول أوروبا لتصل إلى حوالى 110 مليار متر مكعب سنويا (منهم 55 مليار متر مكعب سنويا عبر الخط الجديد) بما يعني تأكيد السيطرة على سوق الغاز داخل أوروبا وتحقيق مكاسب اقتصادية هائلة بشكل أكبر وأسرع مما كان عليه الوضع عندما كان الاعتماد على خط نورد ستريم الأول الذي دخل الخدمة في العام   2011  ويشير الباحث الأميركي إلى أن الاقتصاد الروسي معتمد إلى حد كبير على الطاقة وأنه من خلال تعزيز نفوذ روسيا كمصدر أساسي للغاز في أوروبا فيمكنها التغلب على آثار العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة وبالتالي تمثل إمدادات الغاز إلى أوروبا أهمية اقتصادية كبيرة بالنسبة لروسيا وبالتالي فإن ملف الغاز يستخدم كوسيلة للضغط المتبادل بين الجانبين الذي يبحث عن بدائل أخرى وعن موقف الجانب يلمح بارفي على النقيض من وجهة نظر البقاعي إلى أن دول القارة الأوربية ليست في اتجاه واحد فثمة دول بعينها لا تريد خلق مشكلات مع الجانب الروسي الذي تعتمد عليه في الحصول على الغاز لا سيما ألمانيا وفرنسا مشدداً على أن روسيا من خلال نورد ستريم 2 فهي تخنق أوكرانيا وتتسبب في مشكلات اقتصادية لها .

 

 

المصدر : عربي-sky-news

 

تعليقات

أحدث أقدم