دهشة غير مبررة

مشاهدات




احمد مصطفى

قد يكون مفهوما أن يستخدم السياسيون حسب موقعهم في الحكم أو المعارضة تطورات الوضع في أفغانستان للنيل من خصومهم وتعزيز جماهيريتهم حتى لو بالمبالغة لكن يصعب فهم تلك الدهشة لدى كثير من المحللين والمتابعين للشؤون الدولية خاصة في منطقتنا من سيطرة حركة طالبان السريعة على أفغانستان ودخول العاصمة كابول بعد انهيار حكومتها ومشاهد الفوضى في مطار كابول .

تلك الدهشة تعبر حقا عن حجم الاستسهال والسطحية لدى كثير ممن يفترض أنهم يشكلون الرأي العام وكأن هؤلاء لا يعرفون أن طالبان كانت تسيطر على مساحات واسعة بالفعل من أفغانستان وأن ما تسيطر عليه الحكومة من أقاليم لا يصل حتى إلى نصف مساحة البلاد . فقبل التطورات الأخيرة وحتى قبل مفاوضات انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي الناتو من أفغانستان كان هناك 26 اقليما تحت سيطرة حركة طالبان هذا في الوقت الذي لم تمتد سيطرة الحكومة الأفغانية سوى إلى 16 اقليما أفغانيا وليست بالضرورة سيطرة كاملة أو قوية بينما سيطر أمراء الحرب الآخرين على 12 اقليما أفغانيا متبقيا وذلك حسب تقرير فريق المراقبة للوضع في أفغانستان التابع للأمم المتحدة والمقدم لمجلس الأمن في شهر يونيو الماضي . يتحدث هؤلاء المندهشون عن جيش أفغاني فشل في صد هجوم طالبان وكأن أن هناك بالفعل جيش وطني له عقيدة عسكرية أما مسألة تدريب الأميركيين فمن يتابع ما هو منشور للعامة وليس المذكرات الحساسة أمنيا حتى يعرف أن كل تلك التدريبات وبرامج التأهيل والتسليح لم تكن تحقق نتائج جيدة بأي حال بغض النظر عن الأسباب سواء كانت أن عرقية البشتون التي تنتمي إليها حركة طالبان تمثل أغلبية في البلاد (وبالتالي نسبتهم في الجيش كبيرة) أو أن أفغانستان لم تخرج أبدا من التركيبة القبلية والعشائرية أو أن هناك حركات مسلحة أخرى مناوئة لطالبان وللحكومة  بعضها يتحالف مع الأميركيين هناك حينا وينقلب عليهم حينا آخر حسب ما تقتضيه المصالح الآنية الانتهازية .

حسم الرئيس الأميركي جو بايدن الأمر بقوله أن أميركا لم تذهب إلى أفغانستان لبناء دول أو نشر ديموقراطية وإنما لحماية أميركا من اي هجمات عليها تنطلق من أراضيها وليس ذلك موقف الإدارة الأميركية الحالية بل هو موقف الإدارات السابقة منذ غزو أفغانستان قبل عقدين من الزمن وليطلع من يريد على المكالمات الهاتفية بين الرئيس السابق دونالد ترامب والملا عبد الغني برادر أو حتى يقرأ كتاب باراك أوباما والأجزاء المتعلقة بأفغانستان . أما عن الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان وتهليل بعض المخدوعين لأن أميركا هزمت في أفغانستان فذلك ضلال بين ودس معلوماتي لا يستحق الالتفات إليه فغير أن أميركا تبدو حققت هدفها الأساسي من وجودها العسكري هناك – على الأقل حسب تصريحات مسؤوليها – فلا يمكن ايضا إغفال حقيقة أن الأكثر اندهاشا من التطورات الأخيرة هم من يبالغون في القدرات الأميركية . ثم إن الأجهزة الأميركية سواء سي آي إيه أو استخبارات الخارجية أو غيرها لا تخلو من النقص والمشاكل العادية ورغم الشائع عن مهارتها وسطوتها وقوتها الاستخباراتية حول العالم إلا أنها فيما يتعلق بالشرق الأوسط غالبا ما تستند في ملخصات استنتاجاتها على تقارير اسرائيلية أحيانا تكون قديمة أو غير دقيقة . صحيح أن أميركا قوة عظمى وحيدة تقريبا في العالم الآن لكن ذلك يعود إلى امكانياتها العسكرية وثروتها وليس بالضرورة لأن الأميركي هو أذكى مخلوقات الله أو أن أجهزتهم ومؤسساتهم تخلو من كل الأمراض التي تعاني منها مثيلاتها حتى فيما تسمى دول العالم الثالث وهناك عشرات الأفلام السينمائية الأميركية التي وإن كانت سيناريوهات خيالية لكنها تعكس أوضاعا حقيقية . منها على سبيل المثال فيلم لا تعد أبدا Never go back عام 2016 فيه يكشف البطل جاك ريتشر – الشخصية الخيالية في روايات المؤلف البريطاني الشهير لي تشايلدز – الذي يقوم بدوره النجم توم كروز عن عملية ضخمة ومتواصلة يقوم بها رجال جنرال أميركي متقاعد متعاقد مع البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) تباع فيها الأسلحة الأميركية لميليشيات الأفغان مقابل مخدرات هائلة يتم تهريبها إلى أميركا في صناديق ذخيرة وبطائرات عسكرية .


لا يعني ذلك التقليل من تضحيات القوات الأميركية بالأرواح وهي أغلى شيء في حروب أميركا الخارجية لكن بعض تلك الأرواح المزهقة غالبا ما يكون عن طريق نيران صديقة وليس بالضرورة نتيجة هجمات أعدائهم عليهم . أتذكر الآن صديقا عزيزا هو صحفي أميركي عمل في بداية حرب غزو واحتلال العراق مطلع هذا القرن مراسلا بالقطعة لصحيفة عالمية كبرى من بغداد لعدة أشهر وحين عاد سألته لماذا لم يستمر ولم يكن لديه فرصة عمل أخرى وقتها وكانت تقاريره من هناك جيدة كما أنه كان في حماية القوات الأميركية في العراق وكان رده وهو يغالب حزنه أن سبب عودته هو خوفه على حياته ليس من العراقيين بل من القوات الأميركية !! لم يتركني لاستغرابي ليضيف أن القوات هناك تصاب بالذعر إذا سمعت صياح دجاج من أحد البيوت وتبدأ في إطلاق النار عشوائيا وغالبا ما تصيب قوات من مجموعة أخرى ولم تكن تلك حالات فردية بل تتكرر باستمرار .

المصدر : عربي-sky-news

تعليقات

أحدث أقدم