ماذا تعني الاستراتيجية العسكرية الامريكية الجديدة في العراق والمنطقة ؟

مشاهدات

 



د . نزار محمود


تمثل الولايات المتحدة الأمريكية رأس الحربة للعالم الغربي الرأسمالي واذا أحببت الصليبي الصهيوني ولم يكن ذلك الدور ممكناً لولا تمتع الولايات المتحدة الأمريكية بقوة عسكرية ضاربة وقواعد منتشرة في مناطق عديدة من العالم واقتصاد كبير وتجارة واسعة وتقنيات متقدمة وهيمنة على أسواق المال والإعلام والقرار الدولي ومراكز الأمن والتجسس والفضاء . 


فهذا المركز وتلك القوة لم تأت من فراغ  وليست خيالاً لا يقوم على واقع  وهو ما تسعى الولايات المتحدة الامريكية بالتنسيق مع حلفائها للحفاظ عليه وادامته والعراق  ذلك البلد بكل ما يعنيه للولايات المتحدة الامريكية من نفط وثروات أخرى وموقع جغرافي وتاريخ وطبيعة شعب وتركيبات ودور سياسي وعسكري يشكل واحداً من البلدان والمواقع التي تحظى بأهمية استثنائية لديها هذا الاهتمام والدور ظهر وتزايد في العقود الخمسة الماضية بعد انحسار الدور البريطاني المباشر في التاريخ الحديث . وفي ضوء ما تقدم تحددت السياسة الخارجية الامريكية تجاه العراق وتنوعت أدواتها التي تضمن لها عراقاً يحقق أهدافها في المنطقة  ويرعى مصالحها وبالمحصلة يمكن من تنفيذ استراتيجيتها ولا غرابة ولا عجب في ذلك بالنسبة للعلاقات الدولية القائمة على مبادىء القوة وتوازناتها .


محطات السياسة الامريكية بالنسبة للعراق في التاريخ الحديث :

1- مع انتهاء الحكم الملكي في العراق عام 1958 اثر انقلاب وثورة 14 تموز التي قام بها مجموعة من الضباط انحسر الدور البريطاني والامريكي ( من خلال مشروع حلف بغداد) لصالح الكتلة الاشتراكية والمد اليساري داخل عراق عبدالكريم قاسم .

2 - كان قيام ثورة 8 شباط عام 1963 في اطار دعم وترحيب غربي أمريكي ضد تنامي النفوذ الشيوعي في العراق والذي استمر بدرجات حتى انتهاء الحكم العارفي منتصف عام 1968 .

3 - منذ تولي حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة ثانية في العراق في تموز من العام 1968 والاعلان عن اهدافه وشعاراته القومية الوحدوية وبدئه للعمل بموجبها لتطبيقها واتجاهه عملياً لدعم الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي عموماً أحست الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة التحرك المضاد حماية وحفاظاً على مصالحها ودور حلفائها في المنطقة في تحقيق تلك المصالح .

4 - وفي ضوء تطور قدرات العراق الاقتصادية  من خلال تأميم النفط، وتنامي قدراته العسكرية وما حققه نظامه المركزي من قوة سياسية وأمنية وفرض استقرار داخلي والاتفاق مع ايران الشاه وجدت الولايات المتحدة الامريكية نفسها بأنها مطالبة باتخاذ ما يلزم سياسياً وعسكرياً لضبط ايقاع  تطورات المنطقة. فكان قرار التخلي عن شاه ايران واحداً من تلك القرارات .

5 - وهكذا بدأ عرض مسرحية ولاية الفقيه خميني وشعار تصدير ثورته الطائفية وهبوب ريح حروبه الصفراء وتدخلاته في دول المنطقة والعبث في استقرارها واستنزافها. وكان مشهدها الأول والبارز هو الحرب العراقية الايرانية التي دامت 8 سنوات عجاف والتي أريد لها ان تستمر الى فترة طويلة لتشكل عتلة اعادة أمور الهيمنة الامريكية الى نصابها .

6 - توقفت الحرب العراقية الايرانية بعد تدمير  واستنزاف كبيرين للبلدين المشاكسين للمصالح والاستراتيجيات الغربية والأمريكية  في وقت تزامن مع تأرجح أوضاع المعسكر الشرقي الشيوعي واقتراب اعلان افلاسه وانهزامه .

7 - ومع بدء ظهور ملامح النظام العالمي الجديد يرتكب العراق خطأ غزوه ودخوله للكويت وهو الفخ الذي وضع حجرة الأساس في سقوط نطام بعث صدام واحتلال العراق لاحقاً عام 2003 بعد انهاكه بضربات عسكرية ماحقة وعقوبات اقتصادية مدمرة .

8 - لم يكن الامريكان موفقين في بداية أمر الاحتلال سياسياً وعسكرياً في استراتيجيتهم فاضطروا أو ربما أرادوا، أن يكون لايران الملالي دوراً في تدمير العراق والسيطرة عليه في اطار سياسة الفوضى الخلاقة، لكنهم لم يحكموا زمام فوضاهم الخلاقة وفق " نوتات " ألحانهم الأمر الذي عرضهم لدفع أثمان باهضة أحياناً .

9 - بعد قرار الديمقراطي الامريكي اوباما سحب قواته من العراق والاحتفاظ بنسبة قليلة منها وفي اطار تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة يعود اليوم بايدن الديمقراطي كذلك وصاحب قرار العراق منذ ان كان نائباً للرئيس على ايام اوباما لتبني تكتيكاً جديداً في اطار اولويات فرضتها مستجدات التطورات الدولية لا سيما في ما يخص التوازنات الاستراتيجية ضد الصين وروسيا والاتحاد الاوروبي .

10 - اليوم يجري الحديث عن اقتصار التواجد الامريكي في العراق على تقديم المشورة وخدمات التدريب وهو أمر تكتيكي للأمريكان يأخذ المستجدات في المفاوضات مع ايران العدوة الحليفة  واوضاع المنطقة والمصالح الحيوية الامريكية فيها وتوازنات علاقاتها مع الحلفاء والاصدقاء.

11 - إن إعادة تموضع القوات الامريكية في المنطقة مع الاخذ بنظر الاعتبار تطورات التقنيات العسكرية وموازنات العلاقة مع روسيا في المنطقة على وجه التحديد وقرب عودة طالبان الى السلطة في افغانستان وانحسار تأثير الاخوان المسلمين واستمرار التدهور الاقتصادي وتزايد الفوضى السياسية والامنية والعسكرية والثقافية يؤشر الى ملامح الاستراتيجية العسكرية الامريكية الجديدة في المنطقة القائمة على مبادىء الفوضى الخلاقة والتدمير والاستنزاف الذاتي .




تعليقات

أحدث أقدم