من كتاب التوحش البشري

مشاهدات




علي السوداني


حطت على الأرض قبل سنة من الآن جائحة تشبه مصيبة نادرة عظمى ، احتارت بها الناس وداخت في ذكرها وتفصيلها وتفسيرها علماء الأوبئة والفايروسات والطب المجاور والمقارن واللصيق . إنها كورنا التي بدلت الحياة وطرائق العيش وشلت التجارة والصناعة والفعل الاجتماعي المعتاد ، فلا جماهير تهتف خلف الكرة ، ولا منصتين يصفقون لمطرب وشاعر وقاص وممثل وزعيم يشتهي المديح الجمعي ، حتى نزعت كثرة من ابناء آدم سروال العفة وعاطفة الرحمة والتكافل والتعاضد والتضحية ، فصاروا يجلبون النار كلها لانضاج أرغفتهم حتى لو كان الجار جائعاً وعليلاً لا حول له ولا حيلة مما يصفون وتصفون !!

الموت يتجول بيننا لكن الدول المخترعة والمكتشفة لدواء هذا الداء الملعون ما زالت مصرة على " حق الملكية الفكرية " وعلى احتكار المطعوم بعذر براءة الاختراع ، بما لا يسمح لأي دولة فقيرة أو متوسطة الحال بأن تقوم بتصنيعه وتوزيعه على رعيتها من دون ثمن ، وهذا أمر معيب مشين حرام أرضياً وسماوياً ، لأنه يتصل بصحة الانسان الأعزل الذي يواجه وحشاً قاتلاً لا سبيل لملاقاته عارياً من أي مصد وقاية وقنطار خبز صار تدبره صعباً .

قد يقول قائل ان تجارة الدواء معروفة ومشروعة وهذا أمر لا ينطبق على مطاعيم كورونا الملعون فقط ، بل هو شامل أدوية وأجهزة كل الأمراض والعلل التي تصيب الإنسان ؟!

قد يبدو هذا القول صحيحاً الى حد قليل جداً ، لكن حالة هذا الفايروس الذي صار يتوالد ويتحور ويلبس أقنعة متعددة ، انما يتصل ويتوعد ويهدد حياة وعيش الأرض كلها وما عليها من بشر وحجر وزرع وحيوان وحضارة ، لذلك كان على الدول والشركات الاحتكارية الطماعة الجشعة أن تخرج شرط التجارة والربح من ملف هذا الدواء الذي ما زال هو الآخر يترنح بين الشك البسيط واليقين الذي قد يصل الى تسعين بالمئة من الإشفاء حتى الآن .

تتحدث الدول الكبرى والصغرى ومنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة وأمينها القلق العاجز الحائر دوماً ، عن ضعف التمويل وفقر دول لا تستطيع توفير سعر العلاج وطرائق ايصاله وتسلمه وتوزيعه على الناس ، لكن لا أحد يفضح هؤلاء القوالين القوادين السماسرة ويقول لهم ان ما تخسرونه على الصواريخ والقنابل والطلقات التي تنام بأجساد الفقراء هو بحر أموال قياساً للقطرة التي ستكلفكم في عملية انسانية عظيمة تواجهون بها هذه المصيبة الجمعية .

   

تعليقات

أحدث أقدم